الأوصاف التي تتكون بها القدوة الحسنة
1- أن يتحرق بهموم أمته.
عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخه ما يحب لنفسه.) وقال: (من لم يهتم بأمور المسليمين فليس منهم) أو كما قال.
2- أن يسهر لخدمة الأمة
فقد كانت كل أعمال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- ما عدى عباداته الخاصة وشؤنه الخاصة- من أجل خدمة أمته و من أجل أسعادها في دنياها واخراها وكذلك كان كل ما اتى به من الشرائع والأحكام و قال
من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه.) و(كان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يصلي على الرجل يخدم أصحابه) أي يدعو للرجل الذي يخدم أصحابه حثا له ولغيره على خدمة الناس ومكافئة له على ذلك.
3-أن يقدم النفع العام على منافعه الشخصية
فقد عرض المشركون على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في مكة أن يملكوه أنفسهم ويدفعوا إليه من أموالهم ما يشاء ويزوجوه من أجمل نسائهم في مقابل تنازله عن دعوته أو عن قسم منها فأبى ذلك أشد الإباء وقال لأبى طالب: (لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله تعالى أو أهلك دونه ما تركته)
4-أن يتقدم الناس في العمل من أجل الأمة
عن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس،تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة) فقد حثنا النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بهذا الحديث أن نكون دائما في خدمة أمتنا.
5-أن يكون قليل الكلام كثير العمل
وقال الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله و المؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).قال النبي -صلى الله عليه و سلم-: (من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت.)
(وكان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يخزن لسانه إلا فيما يعنيه) (وكان طويل الصمت قليل الضحك)
6- أن توافق أقواله أفعاله
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
7-أن يكون صادق اللهجة
و قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة.) ، (وكان أبغض الخلق إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الكذب) . (وكان إذا اطلع على أهل بيته كذب كذبة، لم يزل معرضا عنه حتى يحدث توبة.)
وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن الصدق بِرٌّ وإن البِرَّ يَهدي إلى الجنة وإن العبد لَيَتَحَرَّى الصدق حتى يُكْتب عند الله صديقا وإن الكَذب فُجُور وإن الفُجُور يهدي إلى النار وإنّ العبد لَيَتَحَرّى الكذب حتّى يُكْتب عند الله كذّابا).
8- أن يكون أمينا على أموال الناس وأعراضهم وأسرارهم
قال الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)
فقد لقب المشركون في مكة محمدا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالأمين وكانوا على عدائهم الشديد له ولما جاء به يودعونه ودائعهم وأموالهم النفيسة ويأتمنونه عليها وحينما هاجر إلى المدينة خلف عليا على ودائع الناس ليئديها إليهم وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (خلقان لا يجتمعان في مسلم الكذب والخيانة).و قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، و لا تخن من خانك.)
9- أن يكون وفيا بالعهد لا يخلف وعده.
قال الله تعالى: (ومن يوق شح نفسه فألؤك هم المفلحون.) و قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
ما من يومن يصبح العباد فيه إلا و ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، و يقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا.)(الشيخان) (أَرْبَعٌ من كنّ فيه كان منافقا أو كانت فيه خَصْلَةٌ من أرْبعة كانت فيه خَصلَةٌ من النّفاق حتّى يدعها إذا حدّث كذب وإذا وعد أخْلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر.
10- أن يكون كريما جوادا باذلا لماله في سبيل ما يؤمن به وسبيل أصحابه.
(كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان.) (وكان لا يدخر شيئا لغد) (وكان إذا جائه المال لم يبيته و لم يقيله) أي إن جائه المال آخر النهار لا يمسكه إلى الليل أو جائه أول النهار لا يمسكه إلى القائلة. (وكان لا يمنع شيئا يسئله.)
11- أن يكون متفائلا غير متشائم
(فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتفائل ولا يتطير) (وكان يعجبه الفأل الحسن ويكره الطيرة) و قال: (بشروا ولا تنفرو، و يسروا و لاتنفروا.)
12- أن يكوون مقداما قويا غير عاجز
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف وفي كل خير إحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيئ فلا تقل لو أنى فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) (المؤمن الذي يخالط الناس و يصبر على إذاهم خير من المومن الذي لا يخالط الناس و لا يصبر على أذاهم) رواه أحمد و الترمذي
13- أن يكون عالي الهمة غير راض بالدون
فقد أرشدنا الله تعالى في كتابه العزيز أن ندعوه بقولنا: (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وجعلنا للمتقين إماما) وإمامة المتقين أعلى منزلة يتوصورها المؤمن ويطلبها، فقد علمنا الله تعالى بطلبه هذا الدعاء منا أن نكون على أعلى ما يمكن أن يكون عليه الإنسان من الهمة العلية، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها) وقال: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) . وقال: (سددوا وقاربوا).
14- أن يعرف مواطن القوة في نفسه فيستعملها ويزيدها قوة ومواطن الضعف فيها و يسعى في تقويتها ويحذر من أثرها
وهذا إنما يكون بمحاسبة النفس فإن الإنسان بمحاسبة نفسه يطلع على مواطن القوة والضعف فيها قال الله تعالى آمرا المؤمنين بالمحاسبة: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كا الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أؤلئك هم الفاسقون لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجننة أصحاب الجنة هم الفائزون)أمر الله المؤمنين أولا بتقوى الله التى هي معيار التفاضل عنده، ثم أرشدهم إلى طريق تحصيله وبين لهم أن ذلك يكون بمحاسبة النفس، فقال: (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) ثم أمرهم أيضا بتقوى الله على أنها ثمرة محاسبة النفس ثم أخبرهم أن الله (خبير بما يعملون) حثا عليهما، ثم بين أن إهمال المحاسبة كما يكون سببا لفقد التقوى يكون سببا لنسيان الله تعالى وهو يكون سببا لنسيانهم أنفسهم ولعدم معرفتهم مواطن القوة والضعف فيها، ثم أخبر بأن ذلك فسق وخروج عن طاعة الله تعالى وأن ثمرة ذلك أن يكون صاحبها من أصحاب النار، وأن المحاسب للنفس المتقى لله الذاكر له من أصحاب الجنة.
15- أن يكون محاسبا لنفسه مشتغلا بعيوبه وبتمحيص ذنوبه ويكون دائما شاعرا بأنه بشر يخطئ ويصيب
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله) وفي رواية: الأحمق بدل العاجز. فعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكيس العاقل بأنه الذي يحاسب نفسه ويعمل لما بعد الموت وعرف الأحمق العاجز بأنه الذي يتبع هوى النفس لعدم اهتمامه بمحاسبة نفسه وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتهيئوا لعرض يوم الأكبر (يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية)
16-أن يكون صاحب القرار الحاسم في أموره وفي ما يعرض له من المشاكل
وهذه هي صفة أولي العزم من الرسل فإن العزم هو القرار الحاسم، وقال الله تعالى: (فإذا عزمت فتوكل على الله) ولكن ينبغى أن يكون هذا القرار الحاسم بعد الإستخارة من الله تعالى والإستشارة لأهل العلم والرأي فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما خاب من استخار، وما ندم من استشار) .
17-أن يكون محافظا على أوقاته لا يصرفها إلافي الخير وفيما فيه نفع دنياه وآخرته ونفع أمته
قال الله تعالى: في صفات عباد الرحمن: (وإذا مروا باللغو مروا كراما) بين الله تعالى أن المؤمن لا ينبغى له أن يصرف وقته في اللغو وهو ما لا خير للإنسان فيه، وأن اشتغاله باللغو مخل بكرامته،و قال تعالى: (والذين هم عن اللغو معرضون). وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من حسن إسلام المرأ تركه ما لا يعنيه)
18- أن يكون متقيا للشبهات
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كا الراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) وقال: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). و(قال الصدق طمؤنينة و الكذب ريبة)
19- أن يكون متجنبا لمواقع التهم
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس الصدق طمؤنينة و الكذب ريبة)) عن صفية بنت حيي رضي الله تعالى عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معى ليقلبنى –وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد- فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا رسول الله أسرعا فقال النبي على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، وإنى خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا، أم قال شيئا)
20- أن يكون مراقبا لله تعالى في كل شؤنه وتصرفاته
قال الله تعالى: (إن الله كان عليكم رقيبا)
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت). ومراقبة الله تعالى تجعل قلب المؤمن مشتغلا بها عامرا بذكر الله تعالى متجنبا كل ما يكرهه الله وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اتقى الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) . وتقوى الله حيثما كان الإنسان لا تكون إلا بمراقبة الله تعالى فإن مراقبة الله تعالى في كل الأحوال والشؤن تجعل من الإنسان متقيا لله حيثما كان وتكون منه أفضل أسوة حسنة لمجتمعه، ومن أجل ذلك ركز أهل التصوف الصحيح على المراقبة أكبر تركيز، وقالوا: إن أول التصوف التكلف في تحصيل مراقبة الله تعالى في كل ألأحوال والشؤن، وآخره تملك هذه المراقبة بحيث تكون المراقبة حالة روحية لصاحبها وشعورا نفسيا له لا يفارقه في حال من الأحوال.
21- أن يكون متوادا للناس بلين عريكته وطلاقة وجهه للناس، وبذل النصح لهم وخدمته إياهم، ومساعدته لهم
قال الله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
(وكان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم دائم البشر سهل الخلق) و وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم) وقال: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
22- أن يكون رحيما بعباد الله تعالى
قال الله تعالى: (لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).و قال: (من لم يرحم صغيرنا و لم يعرف حق كبيرنا فليس منا.) وقال: (من لا يرحم لا يرحم). و(كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرحم الناس بالصبيان والنساء). وقال: (أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذى قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال). و قال: (المسلم أخو المسلم لا يسلمه و لا يخذله و لا يحقره، التقوى ههنا و يشير إلى صدره ثلاث مراة بحسب امرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم.كل المسلم على المسلم حرام ماله و دمه و عرضه.) (مسلم) (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف و يدعو لهم.)
23- أن يكون محافظا للسانه عن جرح الهيئات والأشخاص
روى الترمذي عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (كف عليك هذا –يعنى لسانه- فقلت: يا رسول الله وانا لمؤآخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم).
24- أن يكون مركزا على نقد الفكرة دون نقد الأشخاص
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت). (وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخزن لسانه إلا فيما يعنيه). (وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا بلغه شيء لم يعجبه من بعض أصحابه لم يقل ما بال فلان يقول، بل يقول: ما بال أقوام يقولون كذا كذا).
25- أن يكون مركزا على الجماعة والأداء الجماعي
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار). وقال: (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).
26- أن يكون متغافلا عن عيوب أصحابه وعوراتهم وأن يعفو عن زلاتهم
قال الله تعالى: (ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور).
قال الله تعالى: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم). . وقال الله تعالى: (فمن عفى وأصلح فأجره على الله). (وكان صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا يواجه أحدا في وجهه بشيئ يكرهه). (وكان أصبر الناس على أقذار الناس). أي على عيوبهم ونقائصهم