معنى حلاوة الإيمان
فضيلة الشيخ/ سعد الدسوقي- من علماء الأزهر الشريف:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
إذا أردنا أن نتكلم عن حلاوة الإيمان فلنضع حديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أمامنا والذي يقول فيه: "ثلاث من وجدهنَّ وجد حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجعَ إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" (متفق عليه).
نجد أن هذا الحديث بدأ فيه النبي صلى الله عليه وسلم بتقرير أن ثمة خصالاً إذا اجتمعت في مؤمن فقد وجد حلاوة السعادة الروحية التي ينشدها كل إنسان وذاق حلاوة الإيمان التي لا تطيب الحياة إلا بها.
وليس معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه..." أنه قصر ذوق حلاوة الإيمان على هذه الثلاث، أو أنه سبحانه لا يحب غيرهم؛ فالله تعالى يحب نماذج كثيرة من الأطهار والأخيار كلهم يذوقون حلاوة الإيمان.
وهناك مجموعة من الأحاديث النبوية تبدأ بعبارة: "ثلاث يحبهم الله..." وبعضها بدأ بالعدد "سبعة يظلهم الله.."، ولكن حينما نتأمل ما تفعله هذه الأعداد: ثلاثة، وأربعة، وسبعة.. نجدها تدفع إلى التشويق والإثارة وانتباه السامع والقارئ، إنها تدعوه ليفتح قلبه وعقله لما سيُلقى عليه.
وفي هذا التعبير العظيم "وجد حلاوة الإيمان" إبراز للمعنويات في صورة المحسوسات بتشخيصها وتجسيمها؛ إذ جعل الإيمان- وهو أمر معنوي لا تدركه الحواس- في منزله المحسوسات التي يمكن أن يتذوقها الإنسان بحواسه؛ ما يجعل النفوس تندفع وتقبل عليه في يسر وسهولة، وتشعر بلذته ولا تحب أن تفارقه، وأنه فطرة الله التي فطر الناس عليها.
فالإيمان شيء يمكن أن تصيبه وتدركه وتظفر به، بل يمكنك أن تتذوقه وتشعر بحلاوته ولذة طعمه.
فالمراد بقوله "حلاوة الإيمان": الرغبة في الإيمان وانشراح الصدر له، وسريانه في أعضائه؛ بحيث يخالط لحمه ودمه، فيشعر بلذة نفسية، تدفعه إلى التلذذ بالطاعات وتحمُّل المشاقِّ في الدين، وإيثار الله والآخرة على متاع الدنيا وزخرفها.
فحلاوة الإيمان: لذته، وانشراح الصدر له، وسرور النفس به والأريحية التي يجدها المؤمن في قلبه من أثر الإيمان؛ حتى ليتفانى في سبيله، ويضحِّي بكل شيء من أجله.
ولذة الإيمان لا تشبه لذة الحرام؛ لأن لذة الإيمان لذة قلبية روحية، أما لذة الحرام فهي لذة شهوانية جسدية، ويعقبها من الآلام والحسرات أضعاف ما نال صاحبها من المتعة.
أذاقنا الله وإياكم حلاوة الإيمان، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.