ملتقى الدعوة و التغيير- قسنطينة


[الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. 613623

السلام عليكم مرحبا بك عزيزي الزائر.
المرجوا منك أن تسجل الدخول إذا كنت مشترك لدينا
أما إذا كنت زائرا فأرجوا منك التسجيل معنا في ملتقىالدعوة و التغيير
إذا أردت المساهمة والإستقادةو نحن ننتظر مواضيعك التي نعرف بدون شك أنها شيقة و رائعةنحن ننتظرك فلا تكن بخيلا و إنما كن معطاءا تسقي الملتقى بمواضيعك لتجني الثمار في جنة النعيم
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. 376553

إدارة الملتقى
تحياتي مدير الملتقى
ملتقى الدعوة و التغيير- قسنطينة


[الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. 613623

السلام عليكم مرحبا بك عزيزي الزائر.
المرجوا منك أن تسجل الدخول إذا كنت مشترك لدينا
أما إذا كنت زائرا فأرجوا منك التسجيل معنا في ملتقىالدعوة و التغيير
إذا أردت المساهمة والإستقادةو نحن ننتظر مواضيعك التي نعرف بدون شك أنها شيقة و رائعةنحن ننتظرك فلا تكن بخيلا و إنما كن معطاءا تسقي الملتقى بمواضيعك لتجني الثمار في جنة النعيم
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. 376553

إدارة الملتقى
تحياتي مدير الملتقى
ملتقى الدعوة و التغيير- قسنطينة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الدعوة و التغيير- قسنطينة

ملتقى الدعوة و التغيير ملتقى خاص بحركة الدعوة و التغيير بقسنطينة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
أنت الزائر رقم

web site traffic statistics
Fujitsu Lifebook

سجل الزوار
سجل الزوار
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
أسامة عبد الإله
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_rcapالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Voting_barالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_lcap 
أبو عبيدة
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_rcapالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Voting_barالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_lcap 
إيمان
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_rcapالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Voting_barالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_lcap 
عماري جمال الدين
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_rcapالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Voting_barالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_lcap 
larbi.zermane
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_rcapالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Voting_barالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_lcap 
بن رمضان كريم
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_rcapالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Voting_barالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_lcap 
asil
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_rcapالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Voting_barالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_lcap 
ام احسان
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_rcapالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Voting_barالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_lcap 
عيسى
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_rcapالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Voting_barالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_lcap 
حسين البغدادى
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_rcapالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Voting_barالجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Vote_lcap 
الساعة الآن بتوقيت الجزائر
المواضيع الأخيرة
» التربية الإسلامية واقع وآفاق.
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Icon_minitime02.05.12 19:30 من طرف عماري جمال الدين

» التربية الإسلامية واقع وآفاق
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Icon_minitime02.05.12 19:18 من طرف عماري جمال الدين

» لما يغيب الذوق السليم في حياتنا.
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Icon_minitime27.10.11 22:52 من طرف عماري جمال الدين

» حينما أتوقف عن الكتابة ../ عماري جمال الدين
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Icon_minitime04.10.11 22:53 من طرف عماري جمال الدين

» رمضان فرصة العمر فانتهزها ..
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Icon_minitime20.08.11 2:36 من طرف عماري جمال الدين

» " واتبع هواه .." في التربية الإيمانية
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Icon_minitime09.07.11 17:38 من طرف عماري جمال الدين

» ج) تابع مهارة إدارة الوقت (6)
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Icon_minitime01.06.11 19:32 من طرف عماري جمال الدين

» ب) تابع مهارة إدارة الوقت 20/05/2011
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Icon_minitime20.05.11 16:37 من طرف عماري جمال الدين

» خواطر مربي (4)
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Icon_minitime12.05.11 19:05 من طرف عماري جمال الدين

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 1 عُضو حالياً في هذا المنتدى :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 1 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 404 بتاريخ 15.09.21 10:06

 

 الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عماري جمال الدين




عدد المساهمات : 39
معدل المساهمات : 51097
تاريخ التسجيل : 14/05/2010

الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Empty
مُساهمةموضوع: الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته.   الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته. Icon_minitime15.07.10 1:02

فالله عزّ وجلّ رحيم ويريدنا أن نرحم بعضنا البعض، حليم كريم وطلب منّا أن نتّصف بهذه الفضائل، عدل ولذلك أمرنا أن نعدل في كلّ شؤوننا وهذه كلّها صفات كمال، ولولا محبّتنا للكمال لما عذّبتنا نفوسنا عند الخروج عنه، والفطرة تعاقب صاحبها حينما يحيد عن مبادئها. فإذا خالف الإنسان فطرته وعصى ربّه فالأمر سيّان، فإنّه يضلّ ويشْقَ، أمّا إذا تناغم وانسجم مع الفطرة وأطاع مولاه فإنّه يرتاح ويهنأ ويفرح ويسعد.
فالإنسان المؤمن الموصول بالله مصطبغ بالكمال فهو في الخلوة والجلوة لا يفعل إلاّ الكمال لأنّه أصبح له صبغة. وإذا كانت الفطرة أن تحبّ الرّحمة والإحسان والعدل فإنّ الصّبغة أن تكـون رحيما وأن تكون محسنا وأن تكون عادلا ومنصفا، وإنّه لفرق شاسع بين أن تحبّ الصّدق وبين أن تكون صادقا، بين أن تحبّ الوفاء وبين أن تكون وفيّا. الصّبغة أن ترى موقفا أخلاقيا مجسّدا قال تعالـى:"صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة" وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه له خير" فالصّبغة أكبر ثمرة من ثمرات الإيمان لأنّك تصطبغ بصفات الكمال (أقصد الكمال النّسبي لا الكمال المطلق، فهو لله عزّ وجلّ وحده لا ينازعه فيه أحد) وهـذا نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان أمينا صادقا حتّى قبل بعثته فهو القائل: "إنّما بُعِثت لأتمّم مكارم الأخلاق" ولأمر ما مدحه ربّه عزّ وجلّ في القرآن الكريم فقال: "وإنّك لعلى خُلق عظيم". لماذا لم يمدح فيه غزارة علمه وهو المدعّم بالوحي؟ ولم يمدح فيه قوّة فكره، ولا حتّى كثرة العبادة؟ وهو صلّى الله عليه وسلّم الذي كان يقوم اللّيل حتّى تتورّم قدماه، فالموقف الأخلاقي هو الموقف البطولـي لأنّ الذي يشدّ النّاس للدّين أو للإسلام ليس صلاتنا ولا صومنا ولا حجّنا إنّمـا هي مواقفنا تصرّفاتنا أخلاقنـا. الدّين صدق أمانة رحمة تسامح إحسان تواضع للخلق، قال صلّى الله عليه وسلّم:"إنّ المرء ليبلغ يوم القيامة درجة الصائم القائم بحسن خلُقه."هذا هو الجوهر الذي غفل عنه -للأسف الشديد- كثير من المسلمين في هذا العصر، فالله غنيّ عن عباداتنا لا تنفعه طاعة ولا تضرّه معصية. إقرأوا التاريخ وإلاّ فمن الذي جعل النّاس يدخلون في دين الله أفواجا قديما وحديثا، أليس تأثُّرا بأخلاق الرجال والتجار والدعاة المسلمين الصادقين، لأنّهم رأوا أناسا يتحرّكون وفق منهج الله، لقد فُتحت البلدان والأمصار بالعلم والعمل، بالإحسان والرحمة، والآن إن لم تكـنْ رحيما، إن لم تكن عادلا لن تؤثّـر. إنّ النّاس يتأثّرون بلسان الحال أكثر من لسان المقال، فالقدوة قبل الدعوة بل القدوة أبلغ دعوة. ليس هناك ما يشدّ النّاس ويؤثّر فيهم إلاّ أن يروْك على درجة من الاستقامة، إن لم يحبّك النّاس ففي إيمانك دخل، إن لم تتميّز بخلق قويم لا أحد يلتفت لهـذا الدّين، يجب أن يُشار إليك بالبنان، إن لم يقلْ من حولك فيك مثل هذا الكلام فلست على شيء. وهكذا إذا تناغمْتَ مع فطرتك وتعرّفتَ على الله، وطبّقْتَ أوامره وشرعه، وعمّرْت أوقاتك بالطّاعات وعمل الصّالحات، لا تظلم ولا تعتدي ولا تؤذي أحدا فأنت على المحجّة البيضاء. فوالذي نفس محمد بيده لو طبّقنا منهج الله كما أمر لأصبحتْ حياتنا كلُّها جنّة. فالأخلاق الحسنة ثمرة العقيدة الصّحيحة والعبادة الصحيحة. فتفقّد عقيدتك وعباداتك وأخلاقك من حين لآخر وعدل.
غرائــز، شهــوات...وما الحـــل ؟
الإنسان بطبعه رُكّبت فيه غرائز وشهوات، إذا فقهَ طبيعتها وتحكّم فيها، وتعامل معها وفق منظور الشّارع الحكيم، يمكن أن تكون عاملاً لآداء رسالته وتحقيق سعادته في الدّارين، ويمكن أن يحدث له العكس، فيتعب ويضلّ ويَشْق. ولا شكّ أنّ هذه الشّهـوات ركّبها الله في الإنسان لحكم كثيـرة ومتنوّعة، ليس مجال بحثها الآن. والسّـؤال المطروح كيف أتعامل معها؟ أؤعطّلها؟ أم أتصرّف معها بحرية مطلقة، وأُطلق الحبل على الغارب، فأفعل مـا أشاء دون ضابط أو قيد؟ كمـا يفعل الإباحيـون أو الملحدون الذين يرفعون شعار "لا إله والحياة مادّة." أو كما قالها الدّهريون قديمـا "أرحام تدفع وأرض تبلع، وما يهلكنا إلاّ الدّهر وما نحن بميّتين"، وبهذا التصوّر والمعتقد الفاسـد وهذا السّلوك المنحطّ، انحدروا إلى أسفل سافلين. حيث خرجوا عـن فطرة الآدمي إلى بهيمية وحيوانية أو أضلّ. قال تعالى: "إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضل"(44-الفرقان) وقـال تعالـى: "فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث."(176-الأعراف)
وبالمقابل لم يأمرنا ديننا الحنيف- دين الوسطية والاعتدال، دين الفطرة-ولم يدعونا إلى تعطيل هذه الغرائز، وإلاّ كيف نعطّل جزئية ركّبها الله فينا؟ كيف نعطّل شيئا خلقه الله فينا؟ كما لم يدعونا إلى حرية مطلقة، فكان موقفه وسطا بين إفراط وتفريط. فدعانا إلى تنظيم هذه الغرائز وصرْفهـا في مسارها الطبيعي الفطري. فشرّع الزّواج مثلا لتنظيم شهوة الجنس وبالتالي فلا إباحية ولا رهبانية بل زواج شرعي، ترتضيـه الخلائق في الأرض وتباركه الملائكة في السّماء. ومن الغرائز أيضا المركوزة في جبلة الإنسان غريزة الغضب قال تعالى:"والكاظمين الغيض والعافين عن النّاس، والله يحب المحسنيـن"(139-آل عمران) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال له أوصني: "لا تغضب"(رواه أبو هريرة) وكرّرها ثلاثا. فالعفو عند المقدرة وكظم الغيض من الأخلاق العالية الفاضلة، لأنّه كما أخبر الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم:" ليس الشّديد بالصّرعة إنّما الشّديد الذي يملك نفسه عنـد الغضب."(رواه أبو هريرة) ولأنّه إذا لم يستطع الإنسان أن يتحكّم في نفسه ويسيطر عليها عند الغضب فقد يفعل ما لا تُحمد عقباه، قد يسبّ وقد يضرب وقد يقتل...الخ) وكلّها سلوكات مذمومة نهانا عنها الشّارع الحكيم. قـال الشيخ الغزالي: "إنّ الغضب مسّ يسري في النفس كما تسري الكهرباء فـي البدن، قد ينشئ رعدة شاملة واضطرابا مذهلا، وقد يشتدّ التيار فيصعق صاحبه ويقضي عليه. وظاهـر أنّ المرء مع تفاقم الغضب يغيب عنه وعيـه ويتسلّم الشيطـان زمامه وكمـا تعصف الاضطرابات بمشاعره يطيش لبّه فلا يعي ما يوجّه إليه من نصح ولو كان من كلام الله وحكمة الرّسول.عن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:"ما من جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله." وقد جاء في الصحيح: استبّ رجلان عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فجعل أحدهما يغضب ويحمرّ وجهه وتنتفخ أوداجه، فنظر إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقـال لـه: "إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه هذا..أعوذ بالله من الشيطان الرّجيـم." فقـام إلى الرّجل أحد ممّن سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال له هل تدري ماقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا؟ قال: لا قال: قـال: "إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه هذا...أعــوذ بالله من الشيطـان الرجيم" فقال له الرّجل: أمجنـون تراني؟..وهكذا بلـغ الغضب بالرّجل حدّا لم يكترث فيه بتوجيه النبوة."(1)








(1) ص 118، 119، 120 جدد حياتك- محمد الغزالي
وقديمــا قـــال الشاعـــر:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرّتب  ولا ينال العلا من طبعه الغضب
والمبدأ في الوعي بالذّات معرفة الشّهوات بمختلف أشكالها، ثمّ السّعي الجادّ لمغالبتها ولجمها بقوّة وصدْق. قال تعالى:"والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبُلنا..."(69-العنكبوت) وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "الكيّس فيكم من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله." (رواه شداد بن أوس)
وإن تفعل فكأنّك تقتلع نبتة دخيلة خبيثة، وهو جُهد لاشكّ يورّث صاحبه لذّة إيمانية يجد حلاوتها في قلبه، وطمأنينة نفس وراحة بال وأنس وذوق ونور وفهم وحكمـة. أمّا الانسياق وراء الشّهوات واتّباع الهوى، فيورّث صاحبه مآسي كثيرة لا تعدّ ولا تحصى. ويكفي لمن كان له قلب أو ألقى السّمع ما قالـــه الشاعـــر:
رأيت الذّنوب تُميت القلوب  ويورث الـذلَّ إدمانُــها
حياة القلوب ترك الذّنوب  فخيـر لنفسـك عصيانـها
يأبى الله إلاّ أن يذلّ من عصاه.إنّ الله لا يعزّ من عصاه ولا يذلّ من والاه، بيده الخير وهو على كلّ شيء قديـر. فمن غلبته نفسه ووقع في المحظـور يكون قد أهان نفسه وانتكس وارتكس في أوحال الرّذيلـة، وانحدر نحو المعاصي والهـوان، فيشعر بالضّيق والإهانة والتقصير. وحتى لا تتمزّق الذّات لهفا وراء الشهوات فلا تضعْ لنفسك شهوة تشقيك، فصحتك أهمّ من شهوتـك، فكـنْ عاقلا واضبطْ المعادلة، وتحكّمْ في رغباتك. وهناك غريزة أخرى خلقها الله في الإنسان لإحداث التّوازن في حياته، ألا وهي غريزة تقدير الذّات.
فكلّما همّ الإنسان بمعصية أو شهوة حرام تحرّك في داخله وازع وضمير يزجره ويؤنّبه، أتفعل هذا وأنت أنت! وتقدير الذّات أن تتقبّل ذاتك كما هي، وتحقّق ماهيتك كإنسان، أن تدرك قيمة نفسك، وتتّخـذ موقفـا إيجابيا إزاءها، وقـد ثبت في الحديث الشريف: "اللّهم لمّ شعث نفسي". فالذي لا يعرف نفسه ولا يعي ذاته لا يحقّق إنسانيته ولا يؤدّي رسالته في الحياة كما ينبغي.
اكشــف ذاتـــك
لقد قسّم عالم النّفس الشّهير"جوهاري" الشخصية إلى أربعـة أقســـام:
منطقـة الوضــوح: وتعنــي باختصـار:اسمك، لقبك، ميلادك، أسرتك، شهاداتك، أعمالك وإنجازاتك ومواقفك، مسارك المهني والحياتي بصفة عامّة.
 منطقـة القنـــاع: أنت تعلم ما في هذه المنطقة، بينما لا يعلم الآخـرون عنها شيئا، هـي حاجات مدفونة لم تعلن بعد، يعبّر عنها بالفنون كالشعر والرّسم والتمثيل لأنه غيـر قادر على أن يقولها صراحة، فلا بدّ من التّفريغ الإيجابي بطريقة آمنة ولذلك قيل: الفنون جنون.

 المنطقـة العميـــاء: ما يعرفه عنك الآخرون ولا تعرفه أنت عن نفسك، مثال ذلك البخيل فهو لا يعرف عن نفسه هذه الصفة، بينما هي عند غيره كفلق الصبح.
المنطقـة المظلمـــة: أو المنطقة السوداء وتمثل لغز الإنسـان، الفرد فيها لا يعلـم شيئا والآخرون أيضا لا يعلمون عمّا يصدر عن هذه المنطقة. فهي منطقة يكتنفها الغموض والإبهـام، يسمّيها البعض بتناقضات العقلاء وهكذا فالإنسان كائن ومخلوق عجيب على درجة غير متناهية في الإعجاز. فما تعتقد أنّك عليه شيء، وما يعتقد الآخرون أنّك عليه شيء آخر، وما أنت عليه حقيقة شيء، وما ينبغي أن تكون عليه شيء آخر تماما.
وتتحقّق البطولة عندما أقيس المسافة بين ما أنا عليه فعلا وبين ما ينبغي أن أكون عليه، وقدوتنـا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال تعالى:" لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة" (21-الأحزاب) فحياتـه وسيرتـه العطرة وسنّته القولية والفعلية والتقريرية نموذج حيّ لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكـورا، وارتقـاء في سلّم ومدارج السّالكيـن، حيث مقامات الإيمان والإحسان والشّكـر لله ربّ العالميـن. وليس هـذا على الله بعزيز بل يتحقّق فعلا ببذل جهود صادقة مخلصة واعية ليكـون الإنسان في مستوى ما تتطلبه اللّحظة التاريخية من عبقرية وإبداع وموقف حضـاري راقٍ، مـن خلال التفاعل الإيجابي مـع عالم الأشياء والأشخاص والأفكار، كتنمية شاملة في مختلف أوجـه الحياة إنتاجا وإنجازا إضافة وتطويرا.
طبيعتـك النفسيـة ومزاجـك الشخصـي
وممّا يجب أن تعرفه طبيعتك النّفسية ومزاجك الشخصي, وأنت أين تصنّف نفسك ياترى ؟
1) الغارقــون فـي انفعالاتهــم.
المواقف هي التي تتحكّم فيهم، يفرح أحدهم بعمق ويحزن بعمق، يحبّ بقوّة ويكره بقوّة، فالتطرّف وعـدم الاتّزان العاطفي مهلك لا محالـة، بل ويتسبب في أمراض كثيرة نفسية وعقليـة وحتى عضوية. ألم تر ما حدث لقيس الذي وضع لنفسه صورة ذهنية أشقته لمّا بالغ في حبّ ليلى حتى الشّطط إلى درجة أن أصبح عبدا لهـا. ومثال الخنساء ومبالغتها في الحزن والبكاء على أخيهـا صخرعند موته في الجاهلية، فلما أسلمت وأُنبئت باستشهاد أبنائها الأربعة لم تفعل مثلما فعلت في المرّة الأولى، وكان سلوكها جدّ متّزنـا، فمن عدّل في سلوكها وجعلها تتغيّر بهذا الشّكل الذي لا يكاد يصدّق، نعم إنه سحر الإيمان وحلاوة التّسليم والرّضا بالقـدر خيره وشره. وقـد ثبت فـي الحديث الشريف: "أحببْ حبيبك هونا ما عسى أن يكون عدوّك يوما ما، وابغض بغيضك يوما ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما." تَرى أحدَهم مهموما مغموما مُحبطا دائم الحزن كئيبا كثير التّشاؤم تعيس، لا تعرف الابتسامة إلى وجهه سبيلا، وكأنّه يحمل هموم الدّنيا والآخرة كما يُقال. هذه لا شكّ حالات عاطفية سلبية غيـر متّزنة. وللشيخ الغزالي رحمة الله عليه تعليق جيّد إذْ يقول: "وليس القصد مصـادرة الطّبع الإنساني في إحساسه بالألم والسرور وإنّما القصد منع الاستغراق المذهل، فإن للفرحـة الطاغية نشوة تُخرج عن الصّواب، وللحزن الجاثم وطأة تسحق الإرادة، والمؤمن الذي يُبصر عمل الله في كلّ ما يمسّه لا يتخبّط بين هذه الانفعالات، فيرفعه هذا إلى القمّة ويخفضه ذلك إلى الحضيض. إنّه يلوذ بالاعتدال ويسيطر على أعصابه، وتلك بعض ثمرات الإيمان."(1)
2) ممّــن يعــي مشاعــــره
ويضبط عواطفه ويتحكّم في انفعالاته، يثق فيما زوّده الله به من قدرات وإمكانات، نظرته للحيـاة إيجابية متفائل يتفاعل عاطفيا ووجدانيا لكن بقدر واتّـزان. قدوته في أموره كلّها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستمع إليه ماذا يقول؟ وكيف يتصرّف؟ عندما تنزل بساحته الملمّات والبلايا والمصائب ؟ قال صلّى الله عليه وسلّم عند وفاة ابنه ابراهيم وهو يعبّرعن مشاعر حزن طبيعية وباعتدال: "إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون." (رواه أنس بن مالك)

(1) ص 81 جدد حياتك- محمد الغزالي
والتحكّم في المشاعر والعواطف ليس معنـاه التجرّد منها، فمن لا يَرحم لا يُرحـم.ولكن أن تُدير نفسك باتّـزان، وخلاصته أن يتّصف الإنسان عند الغضب والانفعالات والمفاجآت بالتعقّل والحكمة، ومقابلة الأزمات متى ظهرت بهدوء ورباطـة جأش، وبالسيطرة على الأعصاب، لأنّ من ضبط انفعالاته حقّق ذاته ودامت علاقاتـه وطاب عيشه وسعد.
حفــر فــي الـــذات
هي امتداد لأسئلة طُرحت سلفا منها لماذا لم أنجح؟ لماذا لا أكون سعيدا؟ لماذا لم أتغيّر؟ وغيرها من الأسئلة التي إنْ خلوتَ بنفسك وأجبتَ عنها بصدق وبموضوعية تعرفْ نفسك، وهي مقاربة لمعرفة الذّات حقّ المعرفة، من خلال أسئلة دقيقة واضحة وصريحة في شكل "حديث مع الذّات".
1-هل أنت على طريق التّغيير؟
2- هل عندك عادات سلبية لم تقلع عنها لغلبة الهوى؟
3- هـل أنت متسرّع عصبي، شديد الحساسية اتجـاه الآخريـن ومـع ذلك لا تراعـي مشاعـر الآخريـن؟
4-هل تتحدّث عن نفسك ومواقفك وإنجازاتك كثيرا، وحتّى مع نفسك؟
5-ما هي نظرتك للآخرين من حولك، من هم أحسن منك وأعلم وأغنى.ومن هم أقلّ منك وأضعف وأفقر؟ بحقد للأعلى، وباحتقار للأسفل منك؟
6-هل تعتقد أنّك لم تُعْطَ حقك في الحياة؟
7-كيف هو ظنّك بالنّاس، حقودين مؤذين يكرهونك؟
8-هل أنت راضٍ بما قسم الله لك من رزق وأولاد ووالدين وزوجة وأصحاب وصحّة وبيئة ومكان تعيش فيه؟

9-هل تحب أن تُنْصح؟
10-هل أنت كثير الكلام ؟
11-هل تفكّر كثيرا فيما يقوله النّاس عنك، وتعمل لهم حسابا؟
12-هل تغضب لنفسك وتنتصر لها دوما؟
13-هل تمدح نفسك وتدافع عنها، ولا تحبّ أن تعاب، وتسوق المبرّرات لأن تكون أنت الصحّ وغيرك المخطئ؟
14-هل تسعى بالنّميمة، وتقبلها من الآخرين؟
15-هل تغتاب، وتقبل الغيبة؟
16-هل تكذب؟
17-هل تغدر؟
18-هل أنت مشغول بما لايعنيك؟
19-هل أنت متعصّب لرأيك، ولا تقبل الخلاف ولا المناقشة؟
20-هل تحب الأخذ ويصعب عليك العطاء؟
21-هل تشتهي أن تذلّ النّاس برغبة ولذّة وتجد في ذلك سعادة؟
22-هل تجد ثقلا في التواضع للآخرين؟
23-هل تحبّ النّوم ولا تريد أن تعمل أيّ حاجة؟
24-هل حدث مرّة أن منعت خيرا يأتي إلى الناس؟
25-هل كان باستطاعتك أن تردّ شرّا عن النّاس ولم تفعل؟
26-تقييمك للنّاس علـى قدر خدماتهم المقدّمـة لك، وعلى قـدر إرضائهـم لغـرورك، ونفاقهـم لك؟
27-هل أنت مرائي تحب أن تُمدح، متطلع لما لا تقدر عليه؟
28-عارف وزنك، قدرك، قيمتك؟
29- الهزل غالب على طبعك؟

30-هل تعترف بالخطأ وتتراجع ويسهل عليك التراجع والاعتذار؟
31-هل تتألّم وتتأثّر كثيرا عندما تُؤذى؟
32-هل تحبّ الشّماتة؟وترتاح لها؟
33-هل تغفرالأخطاء، وتتسامح وتنسى الإساءة ؟
34-هل أنت قلق مغموم مهموم، أم تخلق هموم، هل تعيش أوهام فعلا أم تختلقها ثم تشكو منها ثم تظنّ أنّها حقيقة وتبحث عن علاجها؟
35-هل تستطيع أن تأخذ قرارا في دقيقة واحدة أي تحسم الأمر؟
36-هل تحبّ المظاهر، المسافة كبيرة بين ما هو ظاهر عليك وحقيقتك ؟
37-أنت حريص بخيل أناني؟
38-أنت رقيق ليّن هادئ لطيف؟
39-أعداؤك يكرهونك ويحاربونك؟ 40-هل تحبّ أن تخدع نفسك، وتضحك عليها؟
تعليـــق:
وفـي الأخيـر، ماذا كانت النتيجة؟ أين وجدت نفسك؟ كيف وجدتها؟ المهمّ لا تحزن واحـذر أن يتسرّب إليك يأس أو قنوط، فإنّه كما قـال تعالى: "إنّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون."
(87-يوسف) وقـال تعالى بشأن من أذنب كثيرا وقصّر في جنب الله وأسرف: "قـل ياعبـادي الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطـوا من رحمة الله، إنّ الله يغفر الذّنوب جميعا إنّه هو الغفـور الرحيـم." (53-الزمر) المهمّ أن تتوب وتؤوب وتعود إلى مولاك مهما كان الحال، وتعالج وتصحّح شؤونك الخاصّة والعامّة بتجديد النية والتوكّل على الله وطلب العون منه. أمّا هذه فلحظة مصارحة ومكاشفة مع الذّات حينما تخلو بهـا لوحدك لا لتجلدها، ولكن لتصحيح مسار ورد القطار إلى السكة.إذن ارسمْ خطة دوّنْ فيها نقاط القوّة عندك ونقاط الضّعف، أما نقاط الضعف فرتّبها كأولويات ثم اجتهدْ للإقلاع عنها، فالأصل في النّفس البشرية أنّها أمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم ربّي، أمّا نفس المؤمن فلوّامة، وبالتزكية والمجاهدة والمحاسبة على ضوء الكتاب والسنّة، ووفق ما بيّنه أهل العلم قديما وحديثا، لأنّه ليس في مقدور أيّ كان أن يأخذ مباشرة من هذين المصدرين الجليلين. فنسأل الله عزّ وجلّ أن يبصّرنا بعيوبنا، ويوفّقنا لإصلاحها مثلما أمر به الشارع الحنيف، لنرتقي بها إلى مستوى النفس المطمئنة. قـال تعالـى:"يا أيّتها النّفس المطمئنة ارجعـي إلى ربّك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي."(27، 28 -الفجر) إنّّه ولي ذلك والقادر عليه ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيـم. إذن لا تنزعـج، هدّئ مـن روعك مهما كان فلست شيطانا رجيما ولا ملكا كريما، إنّما أنت إنسان بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى. ولست وحدك الذي تعاني مثل هذا الضّعف فما عليك إلا أن تستعين بالله وتستمدّ منه الحول والقوّة والتوفيق لما يحبه ويرضاه، وتنطلق في خوض المعركة الحقيقية التي غفل عنها كثير من الناس، وتعلنها حربا شعواء ضدّ الهوى والنّفس والشيطان. وقد ورد فـي الدّعـاء: "اللّهم إنّي أعـوذ بك من شرّ نفسي، وشّر الشيطان وشركـه." فجهاد النّفس هي أكبر وأعنت وأشرس معركة في الوجود على الإطلاق، إذْ على ضوئهـا يتحدّد مصير الإنسان في العاجل والآجل قـال تعالـى:"وأمّا من خاف مقام ربّه ونهى النّفس عن الهوى، فإن الجنّة هي المأوى."(40، 41-النازعات) وقال بعض الحكماء: "من قوي على نفسه تناهى في القوّة، ومـن صبرعلى شهوته بالغ في المروءة."وقـال الإمام البصيري رحمه الله:
وخالف النّفس والشّيطان واعصهما  فإن هما محضاك النصح فاتّهم


05 المحطـة الثانيـة:الغايـة مـن الوجـود
مــاذاأريــــد؟
أنا لا أقـول لك: خذ بنصيحتي- إن كنت عاقلا- ولكن خذ بنصيحة خالقك ومولاك قال تعـالى: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه، ولا تعدو عيناك عنهم، تريد زينة الحياة الدنيـا.."(28-الكهف) وقـال تعالـى: "...منكم من يريد الدّنيا، ومنكم من يريد الآخـرة..." (152-آل عمران) وقـال: "فمن الناس من يقول ربّنا آتنـا في الدّنيا وما له في الآخـرة مـن خلاق، ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنـاعذاب النـّار."
(200-201 البقرة) وأنت ماذا تريد بالضّبط ؟ هل أنت ممّن يستهدفون في سعيهم مرضـاة الله ؟ أي ممّن يريـدون وجهه كما ذكرت الآية الكريمة السّالفة الذّكر؟ كنْ صريحا صادقا مع نفسك وأجب بدقّة، واكتبْ الإجابة وتأمّلها جيّدا. ثم انظرْ إلى مدى تجليات هذه المعاني الجميلة على حياتك اليومية في الخلوة والجلوة، وحدك ومع الناس، في حركاتك وسكناتك وتوجهاتـك ومواقفـك الفرديـة والأسريـة والاجتماعية، وماذا تجد ياتُرى؟ هل قصدتَ وجه الله في كـلّ ذلك؟ مَن يدري؟ لعلّ همّك الوحيد هو العمل وكسب الرّزق دون الالتفات إلى أمـور أخرى، إن كنتَ كذلك فهذا ابن عطاء الله السكندري يقدم لك نصيحة غالية فتأمّلها جيّدا: "اجتهادُك فيما ضُمن لك، وتقصيرك فيما طُلب منك دليل على انطماس البصيرة منك." فالله عزّ وجلّ طلب منّا العبادة وضمن لنا الرّزق، قال بشأن الأمر الأول:"ومـا خلقت الجن والإنس إلا ليعبـدون..." (56-الذاريات) وقال بشأن الأمر الثاني:"إنّ الله هو الرزّاق ذوالقوّة المتين."(58-الذاريات) وفـي الحديث الشريف: "لو أنكم توكلتم على الله حقّ توكّله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا."(رواه عمر بن الخطاب) فالأصل الاجتهاد في العبادة لأنّها أمر مأمور به شرعا قـال تعالـى:"وأنا ربّكم فاعبدون."(92-الأنبياء) ثم الضّرب في الأرض لطلب الرّزق لأنّه أمر مضمون، بعد التوكّل على الله والعمل بالأسباب. قال تعـالى: "وفي الّسماء رزقكم وما توعـدون."(22-الذاريات) فإذا عكسْتَ الآية أي فرّطتَ في العبـادة وحرصتَ على طلب الـرّزق، تكون قـد عكستَ الآيـة فيحـدث الخلل والإشكال، أو تنطمس البصيرة والعياذ بالله كما ورد في الحكمة. فالغاية من خلق الإنسان عبـادة الله أوّلا، ثم السّعي لطلب الرّزق وتعمير الأرض وتسخير الكـون. والعبادة هنا بمفهومها الشامل لأنّها تضيق عند البعض فتنحصر فـي: الصّلاة والزّكاة والحجّ والصّوم. وهذا فهم خاطئ مجتزئ وقاصر، وتتّسع عند آخرين فتشمل كلّ شيء في الحياة. فهي "تبدأ من فراش الزّوجية إلى العلاقات الدّولية" كما قال الدكتور محمد راتب النابلسي. حيث تصطبغ حياة المؤمن كلّها بالعبودية لله في كلّ أموره حتى البسيطة منها. والخلاصة أن سرّ وعلّة الوجـود عبادة الله، وسلامة الوجود بالطّاعات المفروضة والأعمال الصالحة، وكمال الوجود بالقرب من الله والإكثار من ذكره ، واستمرار الوجود بتربية الأبناء على طاعة الله ومنهجـه، إذْ بها يتحقّق المأمـول فيسعد الإنسان في الدّاريـن. وقد التزم الله عزّ وجلّ مقابل عبوديتنا له على أن يحيينا حياة طيبة. قـال تعالى: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة."(97-النحل)
متـى تشعـر بالسعـادة ؟
لو سألت كلّ إنسان عاقل فطرته سليمة، ماذا تريد في هـذه الحياة؟ لأجاب فورا وبعفوية أريـد الصحّة والعافية، أريد راحة البال والهناء، أريد السّعادة. ولذا طرحنا هذا السّؤال سلفـا، لماذا لا أكون سعيدا ؟ باعتباره سؤالا محوريا فلسفيا يتصدر أسئلة كثيرة يمكن للإنسان أن يطرحها على نفسه كي يدرك مكانه الحقيقي في هذه الحياة، وبالتالي يؤدي دوره ورسالته بنجاح.
سأل أحـد الصّحفيين في قناة النّجاح عيّنة من النّاس تمثّل مختلف الشّرائح في إحدى البلـدان العربية وهي دولة الكويت وهذا سنة:2006.
* متى تشعر بالسّعادة ؟ فكانت إجاباتهم كالآتي :
1) عندما أُنجز أهدافي بإتقان.
2) عندما أُرضي ربّي.
3) عندما أجلس مع السّعداء.
4) عندما أُحِسّ أنّني أدّيتُ واجبي.
5) السّعادة تأتي من الدّاخل.
6) عندما تكون الأمّة كلّها بخير.
7) إذا رأيت الآخرين من حولي سعداء.
Cool عندما أرى البسمة على وجه طفلي.
9) لمّا أحقّق طموحاتي وأحلامي.
10) عندما يكون القلب مفعما بالإيمان.
11) لمّا يرضى عنّي والديّ.
12) لمّا يكون ضميري مستريح. 13) عندما أحقّق شيئا.
قـراءة وتحليـل الإجابــات
لمّا تفحّصت الاستجواب الشّفهي الذي أجراه هذا الصّحفي بالدّراسة والتّحليل وجدته يتمحور فـي نقاط رئيسة أربع تمثل المحطات الكبرى والعلاقات الأساسية التي إذا أدّاها الإنسان وبتوازن نجح.

*العلاقة مع الذّات في:(4. 5. 12)
*العلاقة مع الغيرSad 3. 6. 7. 8. 11)
*العلاقة مع الإنجاز والإضافة: (1. 9. 13)
*العلاقـة مـع الله: (2. 10)
إذن فالسّعادة والنجاح في الحياة يتحققان إذا تفاعلنا إيجابيّا مع المحطات الأربعة وباتزان، إنها معادلة واقعية يمكن لكل إنسان أن يُحققها على أرض الواقع، أساسها اتّصال بالله قويّ وتواصل صحيح وإيجابي مع عناصر الكون والطبيعة.
مـن هـو الشخـص السعيـد؟ هـذه بعـض صفاتـــه:
هـو إنسان متفائل يعيش بالإيمان والأمل بالعمل والكفاح، يجتهد في طلب العلم وتحصيله دائم الابتسامـة، منظّم لشؤونه، هوشخص يصرّ على أن يُكمل طريقه مهمـا كانت العقبات، إيمانـه بالله قوي واثق من نفسه وقدراته تقديره لذاته إيجابي، لا يتأثّر بآراء الآخرين كثيرا ولا يتسّرع في إصدار الأحكام. مرن يخوض المغامرات من أجل التغيير، كما يمتلك قوّة أفكار ومقترحات وبدائل وخيـارات عدّة، لا تخدعه الأكذوبة والتّلبيس. لـه قدرة عالية على حلّ المشكلات التي تواجهه، وعلى تحمّل الشّدائد ومقابلة الأزمـات متى ظهرت بعقل متفتّح وقلب كبير،له إنجازات عديدة ذو أثر نافع في النـّاس، إنسان متّزن طموح متواضع يحبّه الآخرون، اجتماعي متواضع ناجح في حياته فهو كالغيث أينما وقع نفع كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
06 المحطة الثالثة: تنظيم الذات.(عملاق)(م)المبــادرة
كيف أصـل إلـى مـا أريـد؟
بعد أن عرفتَ: من أنا؟ وماذا أريد؟ وهي إجابـات تمثّل الوعي بالذات، أولوية الأولويـات وهو شيء جميل ورائع، لكن الأجمل منه والأروع أن أعرف: كيف أصل إلى ما أريد؟ تجد الكثيريـن يتحدّثون عمّن أنا؟ وماذا أريد؟ لكن قلّة هم الذين يتناولون محور كيف أصل إلى ما أريـد؟ ولذلك قال أحدهم: "الرّجال العظماء يخبرونك كيف تصل إلى ما تريد، أمّا الرّجال الأكثر عظمة هم الذين يأخذونك إلى هناك." فالنّجاح مثلا كلّنا يتمنّـاه ويطمح إليه ويتحدث عنه، لكن قلّ من يصل إليه وأقلّ منه من يحافظ عليه، والمبادرة تأتي عادة بعـد التأمل والتفكير والتخطيط ثم الانطلاقة والتحرّك الميداني، يليه تقييـم ومراجعة وتعديل، ثم إعادة بناء ورسم خطة أخرى لاستئناف السير وتحقيق إنجازات أخرى على الطريق، ولذلك قيل: تحركوا فإن في الحركة بركة،نعم إنها المبادرة.
تأمــل أولاً..
قال تعالى في محكـم التنزيـل: "قل انظروا..."(13-الحديد) قال الشاعـر الحكيــم:
تأمّـــل سُطـور الكائنـات فإنّـها  مـن الملإ الأعلى إليــك رســــائل
تأمل في ذاتك، وفي كون الله الفسيح من حولك، وفي مخلوقاته المتناهي فيها في الكبر وفي الصّغر على حـدٍّ سواء، تجد العجب العجاب، قال تعالى:" أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت، وإلى السماء كيف رُفعت، وإلى الجبال كيف نُصبت، وإلى الارض كيف سُطّحت..."(17، 20-الغاشية) وفي كلّ مشهد آية على أنّه الواحد الأحد الفرد الصّمد الذي لم يلِدْ ولم يُولَدْ ولم يكن له كفؤًا أحد. وهـل يكفـي أن يعرف الإنسان الحقيقـة ويصل إليهـا، أم هناك التزامات وتبعات أخرى؟ طبعا لا يكفي أن تعرف الحقيقة، بل لابد من العمل بها، والدعوة إليها في كلّ حين وعلى كـلّ حال وفي أيّ مكـان. عندما أخلـو بنفسي وأجلس أفكّر وأبحث عن الكيفيـات والأساليب المشروعة وأتلمّس الطرائق والوسائل والآليات اللازمة، وأتحرّى الأماكن والأوقات المناسبـة. وأحدّد رسالتي العامّة والخاصّة في الحياة، كما يمكنني أن أضع لنفسي أهدافـا أسعى لإنجازهـا على أرض الواقع في تدرّج وعبر خطوات ومراحل متتالية. لا شك أنني بهذا أحقق أحلامي وطموحاتي. أمّا من يتحرّك دون أن يتأمل، بدون منهج بدون خطة بدون منطلقات ومبادئ بدون علم، فهو كمن يحوم حـول الحمى أو كمن يقصّ على غير مفصل كما يُقال. فالتأمل سلاح العظماء وكلنا في حاجة ماسة إليه، وإذا كنتَ ممّن وهبهم الله كلّ هذه القدرات الهائلـة، ورغم ذلك غير راضٍ عن أدائك وعن حياتك بصفة عامّـة، ولم تتحرّك بعـد للتغيير وتطوير ذاتك، أقـول لك إنّك مقصّر جدّا وبالتالي فأنتَ أحوجُ مايكون إلى بعض الدقائق أو الساعات تخلو فيها بنفسك وتفتح فيها سجل حياتك ثم تنظر فيه.
أن تخلــو بنفســك
وتكون لك وقفات بعيدا عـن ضجيج المجتمع وهرجه ومرجه، إلى عزلة وخلوة غير دائمتين من حين لآخر، تجلس لوحدك، وتقول في نفسك مثلا: هل أنا أجتاز جسرًا منصوبًا بين ماضٍ انطلقت منه ومستقبل آتٍ سأسير إليـه؟ وبالفعل تجد نفسك أنك تجتاز جسـرًا إلى الله تعالى، أوّل أبوابه الموت، جسر طوله سنوات عمرك، وعرضه هذه الكرة الأرضيـة، ومع ذلك فعمرك الذي تعيشه بالقياس مع ما أنت صائرٌ إليه أتفه بكثير، كقطرة ماء بالنسبة إلـى مياه البحار والمحيطات هل تقاس؟ فأنت تعيش لحظة فـي رحم الزمان كالجنين في بطن أمه، تعيش مرحلة حمل معينة ولسوف تخرج من هذا النّفق إلى سعة الحياة الحقيقية المستقرّة الخالـدة، التي هيّأها الله للإنسان، إمّا نعيم مقيم وإمّا عذاب دائم. أليست هذه الحقيقة؟ بلى إنّها كبد الحقيقة. قال الصحابي الجليل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "متى السّاعة؟ فردّ عليه: وماذا أعددت لها؟ وقـال الشاعــر:
لا دار للمرء بعـد الموت يسكنها  إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنـه  وإن بناها بشـرّ خاب بانيهـا
يقول الفيلسوف العربي ابن عطاء الله السكندري في إحدى حكمه المشهورة: "ادفن نفسك في أرض الخمـول، فما نبتَ ممّا لم يُدفن لا يتمّ نتاجه." ومفاده: أن تمضي شطرًا كبيـرا من عمرك وأنت مختبئ في تلابيب البعد عن أضواء الشّهرة والبعد عن ضوضاء الناس، فالنواة أو البذرة يجب أن توضع في باطن الأرض، وتمضي مدّة عليها كافية وبعدها تنبت وتثمر، فهذه القوّة لم تكن لتتحقق لهذه النواة لو لم تُدفن في الأرض وكذلك الإنسان، وليس الدّفن مستمرًا وإنما إلى حين.
والعزلة لا بدّ لها من لباس التأمّل والتدبّر، إذ لا يمكن للمنغمس في صخب المجتمع والناس أن يفكر جيّـدا، فالتّشتت والتّشويش حاصل ولا بـدّ، والرّغبات والأهواء والشّهوات تحول دون تحقيق هذه الفائدة، فالسبيل للتخلص من ذلك: أن تجعل في ال24 ساعة ولو ساعة واحدة، تخلو فيها بنفسك، عندئذ يقوى العقل وتكون القيادة له، فسرّ ربح التاجر ليس وقت البيع للزبائن، ولكن هي الساعة التي ينفرد فيها بنفسه ويقيّم أعمالـه. وهو المقام المناسب لطرح الأسئلة المشهـورة، من أنا؟ وماذا أريد؟ وكيف أصل إلى ما أريد؟ مع العلم أن الأجوبة الدقيقـة والصحيحـة عن هذه الأسئلة المهمة وأمثالها لا تحصل إلاّ إذا خلوتَ بنفسك وجلستَ وتأملتَ. مثل هذه السّاعات القدسية إذا لم تبادر بها قـد يأتيك الموت بغتة فيخطفك دون أن تحقق ما تريد. من هذه الأسئلة المطروحة أيضا: هل أنا ملك نفسي؟ أنا ملك مـن؟ والدّنيـا كلّها ملك من؟ هل أنا قـوي أم منفعل بالقوة؟ وستجـد أنّك إنسان ضعيف كالشريط الذي يمر، وستجد أنّك شيء لا حراك فيك ولا قوّة لك، فأنت منفعل بالقوّة ولست فاعـلا لها، فهل يعلم الإنسان هـذه الأمور الغالية فـي النوادي أو في المقاهي؟ ففي الخلوات يعرف هذا ويصل إليه. ففي الخلوة تستطيع أن تفكر برويّة وصفاء وبموضوعية وبدونها لا تستطيع، وخاصّة في هذا العصر حيث تشتدّ ضرورتها. إسمع إلى هذا المقطع مـن حديث نبوي شريف، يقول فيـه المصطفى صلى الله عليه وسلم:"عليك بخاصّة نفسك، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت." والخطاب في الرّجوع إلى خاصّة النفس موجه إلى المجتمع كلّه. فلو أنّ كل فرد من هذه الأمّة أخذ نفسه بهذا الأمر لَتَحقّق المرغوب. أمّا السّطحيون فيظنّون أن هذا أمر سلبي، وانطـواء على النّفس وانعزالية مقيتة وهروب من المجتمـع. فعلى كل كيّس فطن أن تكون له جلسات مـع نفسه من حين لآخر ومراجعات دورية بتسليط الأضواء على ماوقع فيه من أخطاء وزلات -وجلّ من لا يُخطئ- وتقييم شامـل لمسار حياته الفردية والاجتماعية، من أجل التعديل والتصحيح والتحسين والتطوير وحتى يكون يومك خيرا من أمسك، وغدك خير من يومك، وإلاّ كنت مغبونا.
فحــص الـــذات
عندما تدفن نفسك في أرض الخمول، وتجلس تبدأ تفكر برويّة وهدوء فتأنس بها، وتتأمل وتبحث عن أدوات فحص الذات وسبر أغوارهـا والغوص في أعماقهـا، للكشف عن خباياهـا ومكنوناتها لاستخراج كلّ ما هو جميل ورائـع، وملامسة الطاقـات العجيبة المتنوعـة والقدرات الخلاّقـة والمواهب العامّة والخاصّة التي تفضّل الله بها على عبـاده، شأن ذلك شأن الكنز المكنـون. فكلّ شخص عالم بذاته. وقد ثبت في الحديث الشريف: "اعملوا فكل ميسّر لما خُلِق لـه."وأنت ما الذي أنت ميسّر له؟ ما رسالتك العامّة والخاصّة رؤيتك أهدافك قدراتك ومواهبك؟ ما طبيعة العمل الذي تميل إليه وترغب، وتجد فيه ذاتك؟ ماذا تتقن من مهارات وتمتلك من كفاءات؟ ماهي أحلامك وأمنياتك وطموحاتك؟ ماذا تريد أن تكون؟ ماالذي تريد تحقيقه من خطط ومشاريع؟ ماذا أنجزت ومالم تنجز؟ أفصحْ عمّا تريد أين تتجه فين رايح؟ أقصد في مشيك يرحمك الله، فالوقت ليس من ذهب الوقت هـو الحياة. أن تعرف نقـاط القوّة عندك ونقاط الضّعف أي ترصد إيجابياتـك وسلبياتك بكل موضوعيـة وبدون عاطفة، أن تنظر جيدًا لتتعرّف على مصادر قوّتك وتعمل على تنميتها، وعلى مصادر ضعفك وكيف تتغلب عليها. أن تقرأ سجل كتابك مالك وماعليك."حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا." ثم تستأنف السّير وهكذا في كلّ مرّة. تفعل ذلك في نهايـة اليوم والأسبوع والشهر والثلاثي والسداسي والسنـة. فإن وجدتَ خيرا فاحمد الله، وإن وجدت غير ذلك فعدّلْ وصحّحْ وغيّرْ، وانْوِ مجدّدا واستعن بالله ولا تعجز. وبإمكانك أن تستفيد من الآخرين كناصحين لك، حتى خُصومك وأعداؤك تسمع لهم وتأخذ كلامهم على محمل الجدّ وليكن ذهنك مصفاة لما تسمعه وأحسن الانتقاء لتحسن الارتقاء في مدارج السالكين. كمـا أنّه بإمكانك أن تستفيد من كلّ صديق مخلص أمين. قــال الشاعـــر:
وإذا بلغ الرّأي المشـورة فاستعـن  برأي نصيح أو نصيحة حازم
أو تجالس مربّيا ذو بصيرة نافذة، أوعالم جليل تقيّ ورع حكيم ذو تجربة وخبرة، فهـذا عُمَر بن الخطّاب الصّحابي الجليل وهو من هو الفاروق رضي الله عنه يقول في تواضع: "رحـم الله امرءً أهدى إليّ عيوبي."ويقـول:- ردّا على من قالوا له ناصحيـن: لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحدّ سيوفنا" -"لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها." لكن يبقى العامل الخارجـي لا يُعَوَّل عليه كثيرا إلاّ بنسبة محدّدة، قد تصل إلى:10%.لأن الرّغبة الدّاخلية في التغيير تمثّل العامل الأساس والنسبة المئوية الأكبر والتي قد تصل إلى:90% .
التحكّــم فــي الـــذّات
أهمّ جانب من جوانب الشخصية هو القدرة على ضبط النفس والتحكمّ فيهـا، وبالتالي التحكم فـي الدّوافع والأسباب للحيلولة دون انتشار السّلوكيات السّلبية والسّيئـة، لأنّك إذا استطعت قيادة نفسك فأنت على غيرها أقدر.فهل تصرّفاتك تسيطر عليك، أم تملك زمام أمورك؟ فالذي ينهزم أمام نفسه وأمام الهوى لا يستطيع أن يواجه نملة، وقد ثبت في الحديث الشريـف: "الشّديد من غلب نفسه." وإذا سبّك أحد ماذا تفعل؟ تغضب أم لا؟ بيدك الفعل الأوّل والثّاني. فهذا عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه-حينما أغلظ معه أحد النّاس في القول قائلا له: "أأعمى أنت؟ "ردّ عليـه بهدوء:"لا" فقالوا له: أيسبّك، وتقول له: "لا" فلم يَزِدْ علـى أن ابتسم. فموقفه ينـمّ عن قدرة عالية في التحكّم في مشاعـره، ووقفته كانت عند السّبب وليس عند النتيجة. إنّ معظم مشاكلنا معلّقة لم تحلّ لأنّنـا ماكثـون عند النتائج لانبرحهـا، تشدّنا الظّواهر والسّلوكـات دون أن نفكّر ونبحث في الدوافـع والأسباب الحقيقية. وهكذا يتحوّل إلى ملك من يملك نفسه ويبصر قصده. فالعاقل يقف عند السّبب والدّافع الذي من وراء هذا السّلوك، لتجاوز الإشكال المطروح في الحين دون انفعـال. والسـؤال المطروح على كلّ واحد منّا؟ كيف أتحكّم في انفعالاتي؟ كيف أسيطر على مشاعـري؟ فمن الذي يقود الحافلة ياترى؟ أليس هو قائد الحافلـة وربّان السّفينـة؟ وأنت مشاعرك مواقفك حياتك من الذي يقـودها؟ نعم بيدنا القدرة علـى الفعل على القيادة على اتّخاذ القرار.إنّ المرء الذي يضبط أعصابه أمام الأزمـات، ويملك إدارة مـا حوله يظفر في النّهاية، وإلاّ فما الذي تستفيده في الدّنيا والآخرة عندما تفقد رشدك بسبب محنة حلّت بـدارك، فمنطق الإيمان يفرض ويوجب نسيان هذه المصائب واستئناف الحياة. إذن حياتك مشاعرك أنت المسؤول عنها، تغييرها يقـع علـى عاتقك وحدك دون غيرك. قال الصّحابي الجليل عمر بـن الخطاب رضي الله عنه: "العاجز من عجـز عن سياسـة نفســه."
أستطيـع أن أديـر حياتــي
لأنّ تصرّفاتنا نابعـة عن قراراتنا لا عن مشاعرنـا، وقراراتنا تخضع لمبادئنا وليس لمشاعرنـا وردود أفعالنا. تراه كثير الشكوى يردّد كثيرا هذه العبارات السّلبية ويجعل منها مشجبا يعلّق عليه كلّ سقطاته وزلاّته "هذه طبيعتي..،إنّها الوراثة.. ما عساني أن أفعل؟ كلاّ إنّك تستطيع أن تتحكّم في مشاعرك في سلوكك، أمّا كيف؟ إجلس توضّأ، وقد ثبت في الحديث الشريف: "إنّي أعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الشيطان." وتلك المرأة التي وجدها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبكي فقيدها، فقال لهـا: "اصبري يا أمة الله" ولم تكن تعرفه فقالت له: "إليك عنّي إنّك لم تُصَب بمصيبتي، فلمّا أُخْبِرت بأنّـه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، جاءت تعتذر فقال لها رسـول الله صلّى الله عليـه وسلمّ :" الصّبر عند الصدمة الأولى " (رواه أنس بن مالك) فهذه المرأة كان بإمكانها أن تصبر بإصدار قرار داخلي، ولكنّها لـم تفعل، إنّـه مجرّد تصرّف. هكذا حال الناضج يعيش بهذه الطريقة، ولسان حاله أنا الذي أقرّر أبادر أدير حياتي. أنْ أغيّر هذه قضيّة بيدي، دون أن أفقد صوابي بسرعة عند الملمّات أو عندما تواجهني مشكلـة، فلا بدّ من الضّبط والتحكّم في المشاعر والمواقف لاتخاذ القررارات الصّائبة. وبالتّالي فالمسؤولية أن تتحكّم في سلـوكك وتصرّفاتك وتوجّهها بناء على المبادئ والقيم الصّحيحـة، وأنّك ستحاسب علـى أقوالك وأفعالك في الدّنيا والآخرة. قال تعالـى: "ومن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يـره." (7، 8 - الزلزلة) وقال أيضـا:"ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا، وإن كان مثقال حبّة من خردل آتينا بها وكفى بنا حاسبين." ( 47-الأنبياء) والشقـيّ من فقـد قراره والشّجاع الحكيم هو من اتّضح قراره، أحيانا يقول لا إذا اقتضى الأمر، وأحيانا يصبر على المكروه لنيل رضى الرّحمان وابتغاء الأجر لا غير.
الاختيــار الحــرّ الناضــج
هل مفهوم الحريّة: أن تتصرّف كيف تشاء؟ بدون ضوابط وبدون حدود؟ مع العلم أنّه لا توجد في الوجود حريّة بلا قيود.الحريّة الحقيقية ليست طيشًا ولا تهوّرَا ولا إباحية.الحريّة الحقيقية: ألاّ تكون عبـدًا للشّهوات وللدّينار والدّرهم، ولا لأيّ جهـة كانت إلاّ لمولاك الواحد الأحد. وبالتالي تلتزم بالضّوابط ولا تتعدّى الحدود التي وضعها الشارع الحنيف.الحريّة أن لا تكون عبـدًا حتّى للهوى، أن تتّفق مواقفك مع قيمك، وإذا تناقضتْ أرفضْها وأرم بها عرض الحائط. فحياتك ليست لعبـة تحرّكها الأهواء أنَّى شاءت، إنه اختيار ناضج مبني على أساس مبادئ وقيم ومُثل عليا أصيلـة.
الحريّـة أن تعرف نفسك حقّ المعرفة وتحتـرم ذاتك وأن تكون لك عزيمة مستقلّة وإرادة قويّـة وتجتهد لتحسن الاختيار. الحرية من أقدس القيم الإنسانية.

التغييــر يبـدأ مـن الدّاخـل
لمـاذا لم أتغيّر؟ سؤال يطرحه كلّ فرد على نفسه وهو ضمن الأسئلة السّالفـة الطّرح والجواب ببساطة واختصار، لأنّك لـم تُرِد ذلك، وكما يقول المثل الفرنسي المشهور: "لوتريد تفعل." لأنّـه ليس بمقدور أيّ قوّة أن تغيّر في حياتك إلا أنت، العوامل الخارجية بشرية أو مناخية أو غيرهما يمكن أن تؤثّر فيك فقط، أمّا التغيير فيحدث من داخل النّفس، عن قناعة داخلية وبإرادة ذاتية. والتغيير نوعان: تغيير خارجي بصدمـة، وتغيير داخلي مبني على اقتناع، وعادة ما يكون بعد تأمّـل وتفكير فتنشأ إرادة واختيار يتولّد عنهما قرار. والنّوع الثّاني أفضل، فأنت تتغيّرعندما تريد وتقرّر أن تتغيّر. ويحدث التغيير من الدّاخل من ذواتنا عبر قوّة الدّفـع الدّاخلـي وتمثّل أكثر من 90% فنكـون في أحسن وضع بأفضل الحلول وأفضل الخيـارات والبدائل وخاصّة إذا كنّا نتوفّرعلى الرّغبـة الصّادقة والإرادة القويّة في هذا الاتّجاه. قال الشيخ الغزالي:"فالتربية الإسلامية أوغلت إلى حدّ هائل في دراسة النّفوس وأحوالها، والقلوب وأطوارهـا، مستهدفة في هذه الدّراسة جعل السّعادة العظمى تنبع من داخل الإنسان لا من خارجـه، ومغرية المرء أن يرتقب في آفاق نفسه وحدهـا كواكب اليمن والإقبال والرضوان. فإذا طلعت بعد طول رياضـة وتجرّد وصدق وإخلاص، فهيهـات أن يدرك شعاعها أفـول." والتغيير ليس أمرًا سهلاً وفي الوقت نفسه ليس مستحيـلا، فإذا توفّـرت الرّغبة الصّادقة والمقدرة الفعلية تنجز الكثير، وإذا استطعت فعلا أن تحدث التغيير، كأن تتخلّص من بعض العادات السيئـة وتستبدلها بعادات حسنة، عندها ستنظر إلى الماضي وتبتسم وتسأل نفسك قائلا: لماذا لم يحدث هذا التغيير منذ زمان؟ لماذا كان كلّ هذا التردّد والتخوّف والتباطؤ؟(1)
التغييــر وسيلـة وليس غايــة
قال تعالى:" إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم."(11-الرعد) ولتحقيق هذا الغرض لا بدّ من وعي عميق وفهم دقيق لسنن التّغيير في الأنفس والآفاق، لا بدّ من العلم والعمل لا بدّ من التزكية والمجاهدة. فالنّتيجة لا تأتي هكذا دون بذل جهد في هذا الإتجاه.



(1) ص:110-جدد حياتك-محمد الغزالي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجزء الأول من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين - سدراته.
» الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته.
» الجزء الثالث من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته.
» الجزء الخامس من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين -سدراته.
» الجزء السادس من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين -سدراته.

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الدعوة و التغيير- قسنطينة :: الفكر و التربية :: مكتبة الدعوة و التغيير-
انتقل الى: