فلسطين الآن - /كتب رفيق حبيب -
يقترب المشهد الفلسطيني من مرحلة مهمة في تاريخ التحرر الوطني، هي مرحلة الخيارات الصعبة والحاسمة. وحركة المقاومة الإسلامية حماس، تواجه بالفعل تحديات كبرى في مسار تاريخها النضالي، وسيكون عليها اتخاذ قرارات حاسمة لحماية مسار حركة التحرر الوطني الفلسطيني. فقد باتت حركة حماس ممثلة للقيادة الفعلية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، وعليها القيام بدورها التاريخي، الذي تفرضه عليها قيادتها لحركة التحرر الوطني. وقيادة حماس لحركة التحرر الوطني هي نتاج نضالها المقاوم مع غيرها من حركات المقاومة، وأيضا لأنها الحركة الأوسع انتشارا من حركات المقاومة، والتي حظيت على تأييد واسع في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، وعليه تصبح حركة حماس هي الحركة الأكبر بين حركات المقاومة الفلسطينية والتي تحمل مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، بما يلزمها بقيادة عملية التحرر.
أما قيادة حركة التحرر الوطني السابقة، والتي تمثلت في حركة فتح، فقد استقالت بكامل إرادتها من مشروع التحرر الوطني، كما أن منظمة التحرير الفلسطينية، والتي اعتبرت الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، لم تعد تقود حركة التحرر الوطني، كما أنها لم تعد تمارس عملية التحرر الوطني. ومع انحياز حركة فتح لعملية التسوية السلمية، وقبولها بما تفرضه عليها الظروف الدولية، وقبولها لتقديم تنازلات أساسية من الحق الفلسطيني التاريخي، فقد أصبحت حركة فتح تمثل خيار التنازل عن حقوق فلسطينية، لتحصيل ما تبقى من الحقوق. وبالمثل فإن منظمة التحرير الفلسطينية، والتي اعترفت بحق العدو الإسرائيلي في الوجود وفي الاستمرار في احتلال أراضي فلسطينية، خاصة تلك الأراضي المحتلة عام 1948، لم تعد ممثلة للشعب الفلسطيني بأي حال من الأحوال، لأن ممثل الشعب الفلسطيني هو من يلتزم بالحفاظ على كل الحقوق الفلسطينية، وكل ثوابت الشعب الفلسطيني. والحق الفلسطيني التاريخي، يتمثل في إقامة دولة فلسطين على كامل التراب الفلسطيني. وبناء عليه، فقد أنهت منظمة التحرير الفلسطينية دورها كممثل للشعب الفلسطيني، وأنهت حركة فتح دورها في قيادة التحرر الوطني. لذا لزم انتقال الراية إلى حركات أخرى تحمل مشروع التحرر الفلسطيني، وحركة حماس هي التي تقع عليها المسئولية التاريخية لحمل راية التحرر الوطني الفلسطيني.
فالحاصل الآن هو مرحلة انتقال قيادة المشروع الوطني من طرف إلى آخر، وتلك المرحلة تمثل أصعب المراحل التاريخية التي يمر بها شعب تحت الاحتلال. فكل القوى والقيادات التي قادت التحرر الوطني في الماضي، لن تسمح بنقل الراية إلى قوة جديدة، بل سوف تقاوم عملية نقل الراية والقيادة إلى تلك القوة. وبهذا سنجد قيادات التحرر الوطني السابقة، تتحول إلى مواجهة القيادة الجديدة للتحرر الوطني وتعمل بكل قوتها على عدم نقل راية القيادة لها. وبعد أن كانت حركة فتح ومنظمة التحرير تعمل على مقاومة الاحتلال، سيصبح كل جهدها منصبا على مقاومة من جاء ليحل محلها في عملية التحرر الوطني. ولأن القيادات النافذة في حركة فتح ومنظمة التحرير أصبحت تراهن على التفاوض مع العدو للحصول على ما يسمح به العدو من بقايا الحق الفلسطيني، ولأنها بهذا أنهت في الواقع حالة الصراع مع العدو، لهذا نجدها تركز قوتها وصراعها مع الداخل، حتى تمنع وجود أي منافس لها، وأيضا حتى تمنع استمرار حركة التحرر الوطني وإرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني. فاستمرار المقاومة، واستمرار الرغبة في تحقيق التحرر الوطني، يعني ضمنا أن القيادات الحالية لحركة فتح والمنظمة والسلطة، قد تنازلت عن الحق الذي يتمسك به الشعب الفلسطيني.
نقصد من ذلك، أن مجرد استمرار المقاومة هو إدانة لكل القيادات التي قبلت التسوية مع العدو، ومجرد استمرار إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني هو إدانة لتلك القيادات، وعليه سنجد أن الهم الأول لقيادات خيار التسوية، هو القضاء على الرغبة في المقاومة، والقضاء على حركات المقاومة، حتى تنفرد بقيادة الشعب الفلسطيني، وتؤسس سلطتها عليه وتنفرد بالقرار.
تلك هي اللحظة الصعبة، فاستمرار عملية التسوية قد يؤدي إلى اتفاق نهائي يقوم على التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني، كما أن استمرار السلطة الفلسطينية الخاضعة للاحتلال معناه استمرار ضرب المقاومة ومحاولة القضاء عليها. ومن جانب آخر، فإن استمرار المقاومة وتوسع حركاتها، يعني ضمنا نهاية لدور قيادات التسوية، فقدرة المقاومة على البقاء والصمود، سوف تجعل العدو يدرك أن القيادات التي يتفاوض معها، لا تسيطر على الأرض، وبالتالي لا يمكن أن يكون لها سيطرة على عمل المقاومة، ومن ثم يصعب التفاوض معها، لأنها لن تستطيع فرض أي اتفاق توقع عليه على الشعب الفلسطيني. كل هذا يؤدي إلى حدوث مواجهة داخلية، بين طرف تحالف مع المشروع الصهيوني ورضي بشروطه، وطرف مازال يدافع عن الحق الفلسطيني. وحتى تعود حركة التحرر الوطني بقيادة جديدة، وترسم خطواتها المستقبلية، يجب حسم الصراع بين طرفي النقيض، أي طرف موالاة المشروع الصهيوني، وطرف مقاومة المشروع الصهيوني.
وتلك هي اللحظة الفاصلة. والذي سوف يحسم تلك اللحظة بأقل الخسائر، هو الشعب الفلسطيني. فتعظيم دور الشعب، ليحدد خياراته المستقبلية، هو أهم رهان لتجديد حركة التحرر الوطني، ورفض كل مشاريع التسوية. ومن خلال القاعدة الشعبية للمقاومة، والتي تمثل الحاضن الاجتماعي لها، يتم حماية مشروع المقاومة وتحصينه ضد كل محاولات ضربه، وفي نفس الوقت يتم وقف عملية التنازل عن الحق الفلسطيني، وإنهاء دور القيادات التي اختطفت حق تمثيل الشعب الفلسطيني، ثم تنازلت عن حقوقه.