رجال السلف وكيف كانوا
ترجمة عبدالله بن المبارك
يكنى أبا عبدالرحمن كان أبوه تركيا عند رجل من التجار من بني حنظلة. وكانت أمه تركية خوارزمية. ولد سنة ثماني عشرة ومائة، وقيل تسع عشرة. الحسن قال: كانت أم ابن المبارك تركية، وكان الشبه لهم بينا فيه، وكان ربما خلع قميصه فلا أرى على صدره وجسده شعر كثير.
قال: وكانت دار ابن المبارك بمرو كبير صحن الدار نحو خمسين ذراعا في خمسين ذراعا، فكنت لا تحب ان ترى في داره صاحب علم أو صاحب عبادة أو رجلا له مروءة وقدر إلا رأيته في داره، يجتمعون في كل يوم خلقا يتذاكرون حتى إذا خرج ابن المبارك انضموا اليه. فلما صار ابن المبارك بالكوفة نزل في دار صغيرة وكان يخرج الى الصلاة ثم يرجع الى منزله لا يكاد يخرج منه ولا يأتيه كثير أحد. فقلت له يا أبا عبدالرحمن، ألا تستوحش هاهنا مع الذي كنت فيه بمرو؟ فقال: إنما فررت من مرو من الذي تراك تحبه وأحيت ما ها هنا للذي أراك تكرهه لي، فكنت بمرو لا يكون قوم إلا أتوني فيه ولا مسألة إلا قالوا: اسألوا ابن المبارك، وأنا هاهنا في عافية من ذلك.
قال: وكنت مع ابن المبارك يوما فأتينا على سقاية والناس يشربون منها، فدنا ليشرب ولم يعرفه الناس فزحموه ودفعوه فلما خرج قال لي: ما العيش إلا هكذا، يعني حيث لم نعرف ولم نوقر.
قال: وبينا هو بالكوفة يقرأ عليه كتاب المناسك. انتهى الى حديث وفيه: قال عبدالواحد وبه نأخذ. فقال: من كتب هذا من قولي؟ قلت: الكاتب الذي كتبه. فلم يزل يحكه بيده حتى درس. ثم قال: ومن أنا حتى يكتب قولي؟
قال: الحسن وكنا على باب سفيان بن عيينه يوما، وأصحاب الحديث وهم يرون أن عنده بعض هؤلاء الكبار يحدثه. فقال رجل: أعياني أن أرى رجلا لا يسوي بين الناس في علمه. فقال له آخر: هذا عبدالله بن المبارك. قال: نعم هات غيره، أتعرف غيره؟
فلما قدمت الكوفة ذكرت لابن المبارك قول الرجل وأنه فلان ولم أعلمه أنهم سموه. فقال: أفلا قالوا الفضيل بن عياض؟
قال الحسن: ورأيت في منزل ابن المبارك حماما طيّارة. فقال ابن المبارك: قد كنا ننتفع بفراخ هذا الحمام فليس ننتفع بها اليوم قلت: ولم ذلك؟ قال: اختلطت بها حمام غيرها فتزاوجت بها فنحن نكره أنننتفع بشيء من فراخها من أجل ذلك.
قال الحسن: وصحبت ابن المبارك من خراسان الى بغداد فما رأيتاه يأكل وحده.
قال: وزوج النضر بن محمد ولده ادعى ابن المبارك. فلما جاء أقام ابن المبارك ليخدم الناس فأبى النضر أن يدعه وحلف عليه حتى جلس.
عبيد بن جناد قال: قال عطاء بن مسلم: يا عبيد رأيت عبدالله ابن المبارك؟ قلت: نعم، قال: ما رأيت مثله ولا يرى مثله.
عبدالرحمن بن مهدي قال: ما رأت عيناي أنصح لهذه الأمة من عبدالله ابن المبارك.
نعيم بن حماد قال: كان عبدالله بن المبارك كثير الجلوس في بيته فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم؟
شقيق بن إبراهيم قال: قيل لابن المبارك: إذا صليت معنا لم تجلس معنا؟ قال: أذهب أجلس مع الصحابة والتابعين. قلنا له: ومن أين الصحابة والتابعون؟ قال: أذهب أنظر في عملي فأدرك آثارهم وأعمالهم، ما أصنع معكم؟ أنتم تغتابون الناس، فإذا كانت سنة مائتين فالبعد من كثير من الناس أقرب الى الله، وفر من الناس كفرارك من أسد، وتمسك بدينك يسلم لك.
الحسين بن الحسن المروزي قال: قال عبدالله بن المبارك: كن محبا للخمول كراهية الشهرة ولا تظهر من نفسك أنك تحب الخمول فترفع نفسك فإن دعواك الزهد من نفسك هو خروجك من الزهد لأنك تجر الى نفسك الثناء والمدحة.
أشعث بن شعبة المصيصى قال: قدم هارون الرشيد الرقة فانجفل الناس خلف عبدالله بن المبارك وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة وأشرفت أم ولد أمير المؤمنين من برج من قصر الخشب فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال له عبدالله بن المبارك. فقالت: هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان.
سويد بن سعيد قال: رأيت عبدالله بن المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى منها ثم استقبل الكعبة فقال: اللهم إن ابن أبي المولى حدثنا عن محمد بن المنكدر، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ماء زمزم لما شرب له" وهذا أشربه لعطش يوم القيامة. ثم شربه.
نعيم بن حماد قال: كان ابن المبارك إذا قرا كتاب الرقاق فكأنه بقرة منحورة من البكاء لا يجترئ أحد منا أن يدنو منه أو يسأله عن شيء.
قال سفيان: إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة واحدة مثل عبدالله بن المبارك فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام.
عمران بن موسى الطرسوسي قال: جاء رجل فسأله سفيان الثوري عن مسألة، فقال له: من أين أتيت؟ قال: من أهل المشرق: قال: أوليس عندكم أعل أهل المشرق؟ قال: ومن هو يا أبا عبدالله؟ قال: عبدالله بن المبارك. قال: وهو أعلم أهل المشرق؟ قال: نعم وأهل المغرب.
قال ابن عيينة: نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلا إلا بصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم وغزوهم معه.
حبان بن موسى قال: عوتب ابن المبارك فيما يقرى من المال في البلدان ولا يفعل في أهل بلده كذلك، فقال: إني أعرف مكان قوم لهم فضل، وصدق طلبوا الحديث وأحسنوا الطلب، فاحتاجوا، فإن تركناهم ضاع علمهم، وإن أعناهم بثوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم.
عبدالله بن ضريس قال: قيل لعبدالله بن المبارك: يا أبا عبدالرحمن، الى متى تكتب هذا الحديث؟ فقال: لعل الكلمة التي انتفع بها ما كتبتها بعد.
الحسين بن الحسن المروزي قال: سمعت ابن المبارك يقول: أهل الدنيا خرجوا من الدنيا قبل أن يتطعموا أطيب ما فيها. قيل له: وما أطيب ما فيها؟ قال: المعرفة بالله عز وجل.
قطن بن سعيد قال: ما أفطر ابن المبارك رئى نائما قط.
علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت ابن المبارك يقول: لأن أرد درهما من شبهة أحب الى من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف، حتى بلغ ستمائة ألف.
عبدالله بن خبيق قال: قيل لابن المبارك: ما التواضع؟ قال: التكبر على الأغنياء.
عياش بن عبدالله قال: قال عبدالله بن المبارك: لو أن رجلا أبقى مائة شيء ولم يتورع عن شيء واحد لم يكن ورعا ومن كان فيه خلة من الجهل كان من الجاهلين. أما سمعت الله تعالى قال لنوح عليه السلام لما قال: {ان ابني من أهلي} فقال الله تعالى:{ إني أعظك أن تكون من الجاهلين}؟
علي بن الحسن قال: سمعت عبدالله بن المبارك يقول: لا يقع موقع الكسب على العيال شيء، ولا الجهاد في سبيل الله.
عبدالله بن عمر السرخسي قال: قال لي ابن المبارك: ما أعياني شيئ كما أعياني أني لا أجد أخا في الله عز وجل.
سليمان بن داود قال: سألت ابن المبارك من الناس؟ قال: العلماء، قلت فمن الملوك؟ قال: الزهاد، فمن الغوغاء؟ قال: خزيمة وأصحابه. قلت: فمن السفلة؟ قال: الذين يعيشون بدينهم.
فضيل بن عياض قال: سئل ابن المبارك: من الناس؟ قال: العلماء. قال: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قال: فمن السفلة؟ قال: الذي ياكل دينه.
أحمد بن جميل المروزي قال: قيل لعبدالله بن المبارك: إن إسماعيل ابن علية قد ولى الصدقات. فكتب اليه ابن المبارك:
يا جاعل العلم له بازيا يصطاط أموال المساكين
أحتلت للدنيا ولذاتها بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعد ما كنت دواء للمجانين
أين رواياتك في سردها عن ابن عون وابن سيرين؟
أين رواياتك والقول في لزوم أبواب السلاطين؟
إن قلت أكرهت فماذا كذا زل حمار العلم في الطين
فلما قرأ الكتاب بكى واستعفى.
محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت أبي يقول: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع اليه اخوانه من أهل مرو فيقولون: نصحك يا أبا عبدالرحمن، فيقول لهم: هاتوا نفقاتكم فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها ثم يكتري لهم ويخرجهم من مرو الى بغداد، بأحسن زي وأكل مرؤة، حتى يصلوا الى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا صاروا الى المدينة قال لكل رجل منهم، ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة، من طرفها؟ فيقول: كذا، ثم يخرجهم الى مكة فإذا وصلو الى مكة فقضوا حوائجهم قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيقول: كذا وكذا. فيشتري لهم ويخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم حتى يصيروا الى مرو فإذا وصلوا الى مرو جصص أبوابهم ودورهم. فإذا كان بعد ثلاثة أيام صنع لهم وليمة وكساهم فإذا أكلوا وشربوا دعا بالصندوق ففتحه ودفع الى الى كل رجل صرته بعد أن كتب عليها اسمه.
قال أبي: أخبرني خادمه أنه عمل آخر سفرة سافرها دعوة فقدم الى الناس خمسة وعشرين خوانا فالوذجا.
قال: وبلغنا أنه قال للفضيل بن عياض: لولاك أنت وأصحابك ما اتجرت.
محمد بن عيسى قال: كان عبدالله بن المبارك كثير الاختلاف الى طرسوس، وكان ينزل الرقة في خان، فكان شاب يختلف اليه ويقوم بحوائجه ويسمع منه الحديث. قال: فقدم عبدالله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب وكان مستعجلا، فخرج في النفير فلما قفل من غزوته ورجع الى الرقة سأل عن الشاب فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه. فقال عبدالله: وكم مبلغ دينه؟ قالوا عشرة آلاف درهم فلم يزل يستقصى حتى دل على صاحب المال فدعا له ليلا ووزن له عشرة ألاف درهم وحلفه أن لا يخبر أحدا ما دام عبدالله حيا، قال: أصبحت فأخرج الرجل من الحبس.
وأدلج عبدالله وأخرج الفتى من الحبس، وقيل له: عبدالله ابن المبارك كان هاهنا وكان يذكرك، وقد خرج. فخرج الفتى في أثره فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقه، فقال: يا فتى، أين كنت؟ لم أرك في الخان؟ قال: نعم يا أبا عبدالرحمن، كنت محبوسا بدين. قال: وكيف كان سبب خلاصك؟ قال: جاء رجل وقضى ديني ولم أعلم به حتى خرجت من الحبس، فقال عبدالله: يا فتى أحمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك. فلم يخبر ذلك الرجل أحدا إلا بعد موت عبدالله.
سلمة بن سليمان قال: جاء رجل الى عبدالله بن المبارك فسأله أن يقضي دينا عليه. فكتب الى وكيل له. فلما ورد على الكتاب قال له الوكيل: كم الدين الذي سألت فيه عبدالله أن يقضيه عنك؟ قال: سبعمائة درهم فكتبت له بسبعة آلاف، وقد فنيت الغلات، فكتب إليه عبدالله: إن كانت هذه الغلات قد فنيت فإن العمر أيضا قد فنى فآجر له ما سبق به قلمي.
وقد رويت لنا هذه الحكاية أبسط من هذا. فأخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبدالباقي قالا: أنبأ أحمد بن عبدالله قال: نبأ أبي قال: نبأ محمد بن ابراهيم قال: نبأ علي بن محمد بن روح قال: سمعت المسيب بن واضح يقول: كنت عند عبدالله بن المبارك جالسا إذ كلموه في رجل يقضي عنه سبعمائة درهم دينا. فكتب الى وكيله: إذا جاءك كتابي هذا فاقرأه فادفع الى صاحب هذا الكتاب سبعة آلاف درهم. فلما ورد الكتاب على الوكيل، وقرأه التفت الى الرجل فقال: أي شيء قضيتك؟ فقال: كلموه أن يقضي عني سبعمائة درهم دينا. فقال: قد أصبت في الكتاب غلطا، ولكن اقعد موضعك حتى أجري عليك من مالي وأبعث الى صاحبي فأوامره فيك.
فكتب الى عبدالله بن المبارك: أتاني كتابك وقرأته وفهمت ما ذكرت فيه، وسألت صاحب الكتاب فذكر أنه كلمك في سبع مائة درهم وهاهنا سبعة آلاف. فإن يكن منك غلط فاكتب إليّ حتى أعمل على ذلك. فكتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا وقرأته وفهمت ما ذكرت فيها فادفع الى صاحب الكتاب أربعة عشر ألفا. فكتب اليه: إن كان على هذا الفعال تفعل فما أسرع ما تبيع الضيعة، فكتب الى عبدالله بن المبارك إن كنت وكيلي فأنفذ ما آمرك به، وإن كنت أنا وكيلك فتعال الى موضعي حتى أصير الى موضوعك فأنفذ ما تأمرني به.
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من فاجأ من أخيه المسلم فرحة غفر الله له" فأحببت أن أفاجئه فرحة على فرحة.
معاذ بن خالد قال: تعرفت الى إسماعيل بن عياش بعبدالله بن المبارك، فقال إسماعيل بن عياش: ما على وجه الأرض مثل عبدالله بن المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبدالله ابن المبارك، ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر الى مكة فكان يطعمهم الخبيص، وهو الدهر صائم.
عبدالله بن خبيق قال: قال رجل لابن المبارك: أوصني. فقال: اعرف قدرك.
سعيد ين يعقوب الطالقوني قال: قال رجل لابن المبارك: هل بقي من ينصح؟ قال، فقال: وهل تعرف من يقبل؟
عبده بن سليمان قال: كنا في سريّة مع عبدالله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا الى الراز، فخرج اليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، فازدحم عليه الناس وكنت فيمن ازدحم عليه فإذا هو ملثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبدالله ابن المبارك فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنّع علينا.
أبو وهب قال: مر ابن المبارك برجل أعمى فقال: أسالك أن تدعو الله أن يرد بصري. قال: فدعا الله فرد عليه بصره وأنا أنظر.
الحسن بن عرفة قال: قال لي ابن المبارك: استعرت قلما بأرض الشام فذهب على أن أرده الى صاحبه فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي؛ فرجعت ، يا أبا علي إلى أرض الشام حتى رددته الى صاحبه.
شريح بن مسلمة قال: سمعت عبدالله بن المبارك يقول: كاد الأدب يكون ثلثي الدين.
أبو بكر عبدالله بن حسن قال: قال ابن المبارك: طلبنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا.
أحمد بن الزبرقان قال: سمعت عبدالله بن المبارك يقول: إن الصالحين فيما مضى كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي علينا أن نكرهها.
عن القاسم بن محمد قال: كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيرا ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي: بأي شيء فضل هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة؟ إن كان يصلي إنا لنصلي، ولئن كان يصوم إنا لنصوم، وإن كان يغزو فإنا لنغزو، وإن كلن يحج إنا نحج.
قال: فكنا في بعض مسيرنا في طريق الشام نتعشى في بيت إذا طفئ السراج فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يستصبح فمكث هنيهة ثم جاء بالسراج فنظرت الى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع، فقلت في نفسي: بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا، ولعله حين فقد السراج فصار الى الظلمة ذكر القيامة.
قال المروزي: وسمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل قال: ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبيئة كانت له.
قال المروزي: وأخبرت عن داود بن رشيد قال: كان ابن المبارك عند أبي الأحوص، فجاء رسول فلان الهاشمي بعض الولاة فقال: يقرئك السلام ويقول: يا أبا الأحوص هذا شهر رمضان. قال وسعنا على عيالك، وهذه ألف درهم توسع بها عليهم في هذا الشهر. قال أبو الأحوص: فعل الله به وفعل به. وقال: قل له يدعها عنده حتى إذا احتجنا إليها بعثنا فأخذناها.
الحسن بن ربيع قال: سمعت ابن المبارك حين حضرته الوفاة وأقبل نصير يقول له: يا أبا عبدالرحمن، قل لا اله الا الله. فقال له: يا نصير، قد ترى شدة الكلام عليّ فإذا سمعتني قلتها فلا تردها عليّ حتى تسمعني قد أحدثت بعدها كلاما، فإنما كانوا يستحبون أن يكون آخر كلام العبد ذلك.
أدرك ابن المبارك جماعة من التابعين منهم: هشام بن عروة، وإسماعيل ابن أبي خالد، والأعمش، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، وعبدالله بن عون، وخالد الحذاء، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وموسى بن عقبة، في آخرين.
وروى كبار الأئمة: كالثوري وشعبة والأوزاعي والحمادين في نظرائهم، وكان أحد أئمة المسلمين. وتوفى بهيت منصرفا من الغزو لثلاث عشرة سنة خلت من رمضان سنة أحدى وثمانين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة.
محمد بن فضيل بن عياض قال: رأيت عبدالله بن المبارك في المنام فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: الأمر الذي كنت فيه. قلت: الرباط والجهاد؟ قال: نعم. قلت: فأي شيء صنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة، ولكمتني امرأة من أهل الجنة أو امرأة من الحور العينى. أنظر صفوة الصفوة.
قال الشاعر
كل باك فسيبكي وكل ناع فسينعى
وكل فخور سيفنى وكل مذكور سينسى
لليس غير الله يبقى من علا فالله أعلى
مقتبس من مقال سعد كريم القفي
عفا الله عنه