بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة رئيس هيئة أهل السبق والتأسيس الأستاذ الطاهر زيشي
خلال الجلسة الافتتاحية لملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي
يوم الخميس 27 جمادى الآخرة 1431هـ الموافق 10/06/2010م
والصلاة والتسليم على سيد المرسلين وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار وعلى من حذا حذوهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
نحيي اليوم الذكرى السابعة لوفاة رمز من رموز تاريخ الجزائر المعاصر الذي أعطى للوطنية مفهومها العملي ورد لها مكانتها في التعاطي السياسي والدبلوماسي، وربط بين الإسلام والوطنية، وهو صاحب الشعار الخالد "الجزائر في العيون نفنى ولا تهون"، ورمز من رموز الحركات الإسلامية العالمية المعاصرة الذي جمع بامتياز بين الأصالة والمعاصرة فكان بذلك خير خلف لخير سلف.
وصاحب الأفق الرحب والفراسة الثاقبة التي مكنته من استشراف المستقبل. حدثني ذات يوم ونحن في سجن من السجون في فناء القاعة، حديثا استغربته وقتها "سندخل البرلمان إن شاء الله"، فلا الظروف كانت تسمح بمجرد التفكير بهذه الأمور ونحن في السجن، ولا نظام الحكم القائم على الأحادية يسمح كذلك، لمجرد التفكير في مثل هذه الطموحات والآمال ولكن فيما بعد. ونحن ندخل نظام المشاركة السياسية تحقق ذلك الحكم ففهمت قصده "أن على الحركة الإسلامية أن تعد نفسها تنظيميا، وتعد أتباعها بالتكوين والتأهيل سياسيا لتكون جاهزة لتحقيق ذلك".
قناعته الراسخة بأن سعادة الأمة الإسلامية وخلاصها مما هي فيه يكمن في مبدأ العودة الصادقة إلى منهج الإسلام من جديد فهما وتطبيقا.
فتجسيدا لهذه المهمة الصعبة على أرض الواقع التي تحتاج إلى جهد وجهاد. شرع مع مجموعة من إخوانه ومنهم الشهيد الذبيح محمد بوسليماني الذي قدم نفسه في سبيل الله فداء لوطنه وشعبه وأمته لتكريس المفاهيم الصحيحة للإسلام ومقاصده، ومنهم كذلك الأستاذ الفاضل مصطفى بلمهدي رئيس حركة الدعوة والتغيير وإخوانهم الذين يطلقوا عليهم اليوم تسمية أهل السبق والتأسيس (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)، فقاموا تحت قيادة الشيخ نحناح رحمة الله عليه الذي رباهم على التضحية والفداء والعطاء بالتصدي لمشروع طمس الهوية والانتماء الحضاري والوقوف ضد النهج الاشتراكي المنبثق من رحم الإيديولوجية الشيوعية الذي تبناه النظام السياسي آنذاك واعتبره خيار لا رجعة فيه رغم أنه يتنافى كلية مع تعاليم ديننا الحنيف جملة وتفصيلا ومع قيم وتقاليد شعبنا.
عندما اكتمل البناء والتأسيس لم يتنافس إخوانه على المناصب ولم يتزاحموا بالمناكب على المغانم، ضحوا في زمن المغارم وزهدوا في زمن المغانم، ورغبوا عن الظهور في الشاشات وصفحات الإعلام، وآثروا العمل في مؤخرة الصف، لأنهم علموا أن هذا العمل لا يصلح إلا بالتجرد لله، وعلامات التجرد لله، الزهد فيما عند الناس.
إن هؤلاء المؤسسين لم ينالوا شرف هذا الاسم إلاّ لأنهم اختاروا أن يكونوا القواعد والأسس التي تدفن تحت التراب ليقوم عليها البناء الشامل، لم يكن ذلك سهلا في الأنظمة الشمولية التي كانت تحبس على الناس أنفاسهم، ولكن المؤسسين وقد كان منهم رجل الأعمال ومدير المؤسسة والإطار في الشركات وغيرهم من الوظائف المحترمة، لكن ضحوا بكل ذلك لأنهم فهموا قول الله تعالى: (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ)، وثبات المؤسسين إلى اليوم واختيارهم المواقع التي هم فيها الآن لم يكن اعتباطيا وإنما كان نتاجا لتربية عميقة صاغتها المفاهيم والقيم والأفكار الإسلامية التي تشربوها، ولم تبقى على مستوى نظريات فحسب بل صقلتها الأيام من خلال العمل الميداني المضني والمحن المتتالية قرابة نصف قرن على الثبات على طريق الحق من أجل الوصول إلى الغاية الكبرى: "لله غايتنا".
لقد كان الهدف الأساسي هو المحافظة على المنهج وتكريس المبدأ والأهداف التي أنشئت لأجلها الحركة ومحاولة لإعطاء البعد الإصلاحي لخط وسياسة المشاركة، ولما تصاعدت حمّى المناصب والامتيازات الدنيوية الضيقة فضل المؤسسون التمسك بالمنهاج على حساب الهيكل، وعلى هذا المبدأ عمل أهل السبق والتأسيس متجردين عن كل الأغراض الضيقة، والسبيل الوحيد لذلك العمل على الخط الذي رسمه الشيخ محفوظ نحناح رحمة الله عليه الذي أصبح ملاذا وأملا لجميع الجزائريين بمختلف فئاتهم وهذا هو المقصد الذي تتوخاه حركة الدعوة والتغيير في عملها ونشاطها وأهدافها.