[color:4c3b=blue".. ولا يتسع الأمـــر إلا إذا ضاق.. "
أبو رضا/11/03/2011
1) الحياة كلمة.
الكلمات المعبرة لها تأثير السحر على النفس والعقل. خاصة إذا خرجت من القلب وصدرت من عالم متضلع صاحب تقوى وسمت وصلاح، وخبرة عميقة بشؤون الناس والحياة. ولذلك قيل عن الحسن البصري – رضي الله عنه - كاد كلامه يشبه كلام الأنبياء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من خص بجوامع الكلم : " إن من البيان لسحرا " (رواه الإمام البخاري في صحيحه، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما) ورغم قلة هذه الكلمات وبساطتها فإنها تختزن شحنات قوية تفعل فعلتها من الداخل في شكل طاقة أو قوة دفع هائلة، تشحذ الهمم، وتقوي العزائم. وتزيد في ثبات الصامدين الواقفين في وجه العتاة الطغاة، مهما كانت قوتهم وجبروتهم. قال سيد قطب - رحمه الله - " إن كلماتنا تبقى عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح، وكتب لـــــها الحيـــاة.." وقبله قال المصلح والمفكر الإسلامي المشهور جمال الدين الأفغاني " إن الأزمة تلد الهمة، ولا يتسع الأمر إلا إذا ضاق ... " جزء من عبارة مختصرة موجزة - رحم الله قائلها وأسكنه فسيح جنانه - ما إن تفوه بها ونطق، حتى تلقفتها قلوب وعقول، وأصبحت ملء السمع والبصر والفؤاد، ومضرب الأمثال، يرددها الناس ويتداولها الأجيال كلما استعصت على الحل مشكلة، أو حلت بالأفق أزمة وطال أمدها. نعم "الأزمة تلد الهمة، ولا يتسع الأمر إلا إذا ضاق. " قال الشاعـر الحكيـــــــــــم:
- اشتدي أزمة تنفرجي *** قد آذن فجرك بالبلج.
مفردات ولدت من رحم المعاناة لا شك، وتحدرت من عمق التجربة والخبرة العربية الإسلامية الأصيلة، تنضاف للرصيد النضالي التحرري لأمة كثيرا ماعانت من ظلم المتسلطين وقهر المستبدين. لذا كان سياقها يفيض بهذه الإيحاءات، ويحمل في طياته هذا الألق وهذا الإشعاع، وهذه المصداقية، وهذا الزخم الهائل من المعاني والدلالات..التي لا تنقطع.
2) وإذا جاء أجلهم ..
ومنها أن الشعوب لا تهزم وإن قهرت ردحا من الزمن، وأن الظلم لا يدوم، وأن المستبد أوالديكتاتور لا بد أن يغادر ويرحل. وأن النصر مع الصبر، ، وأن مع العسر يسرا، وأن النصر صبر ساعة، وأن صاحب الحق منصور بإذن الله ولو بعد حيـن. " ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز " (آ – 40 الحج ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام، يقول الله تعالى: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين." (صحيح الجامع 117) لأنه ما إن تحين الفرصة ويأتي الإعصار العاتي وتهب رياح التغيير، وتنطلق الشعوب هبة واحدة وموجة قوية، تقتلع الاستبداد والفساد، وتستأصل شأفته، وتقضي على كل المظالم ، وكل ما من شأنه يسيء لكرامة المواطن وحقوق الإنسان، ويمس بأمنه واستقراره، ويخدش في هويته وانتمائه.
قال الشاعر الحكيم:
- سجل مكانك في التاريخ يا قلم *** فهاهنا تبعث الأجيال والأمــــــــم.
- هنا البراكين هبت من مضاجعها *** تطغى وتكتسح الطاغي وتلتهم.
وما حدث في تونس الخضراء ومصر الكنانة، ويحدث في ليبيا – المنصورة بإذن الله – خير دليل على ما نقول. لكن لا يتم ذلك إلا بالتضحيات والاتحاد والوقوف صفا واحدا في وجه الظلمة الذين عاثوا في الأرض فسادا، فقتلوا وشردوا وسجنوا، ونهبوا وكنزوا الأموال على حساب الكادحيــــــن. قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
- وللحريــــــــــــــة الحمــراء باب *** بكل يد مضرجة يـــــــــــــــــــدق.
وقال شاعـر آخــــــــــــر:
- لا يسلــم الشرف الرفيـع من الأذى *** حتى يـراق على جوانبــــــه الدم.
3) بشرى لكل طاغية مستبد
وأنا أتابع الأحداث الأليمة عبر القنوات الفضائية، حز في نفسي وآلمني كثيرا - ككل إنسان حر يأبى الظلم ويكره الاستبداد - ما ترتكب من مجازر بشعة في حق شعب أعزل، أراد الانعتاق والتحرر من ربقة ديكتاتور، جثم على صدور الليبيين أكثر من أربعة عقود، طال حكمه وساء عمله، وهاهو بحمقه يدمر كل البنية التحتية لبلاده، ويقصف شعبه بالطائرات، على مرأى ومسمع كل سكان المعمورة، وينعت أبناء وطنه بالجرذان، وهو الذي طالما تشدق أنه إمام المسلمين. وكأني به يستهين بالنفس البشرية، وبكرامة الآدمي. ونسي أو تناسى أن الإنسان بنيان الله وليس بالهين تهديمه. قال تعالى: "... من قتل نفسا بغير نفس، أو فسادا في الأرض، فكأنما قتل الناس جميـــعا..." (آ -32 المائدة) و قد أغلظ القرآن الكريم الوعيد، وبشربالشقاء الأبدي كل من يفعل ذلك. قال تعــــالى:" ومن يقتل مؤمنا متعمدا، فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه ولعنه، وأعد له عذابا عظيما." (آ -93 النساء) وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم." (الحديث ورد في سنن النسائي وابن ماجة والبيهقي وفي جامع الترمذي، صححه الألباني) فكيف بمن يقتل العشرات بل المئات ! وكأني بالشاعر التونسي الموهوب أبو القاسم الشابي- عليه رحمة الله – يعني هذا الصنف من البشر الذين ماتت فيهم كل معاني الإنسانية، حين قال مهددا متوعدا أياهم بشر عاقبة:
- ألا أيها الظالم المستبد *** حبيب الظلام عدو الحيـــــــــــاة
- سخرت بأنات شعب ضعيف *** و كفك مخضوبة من دمــاه
- و سرت تشوه سحر الوجود *** وتبذر شوك الأسى في رباه
* * * * * * *
- رويدك لا يخدعنك الربيع *** وصحو الفضاء وضوء الصبـــــــاح
- ففي الأفق الرحب هول الظلام *** و قصف الرعود وعصف الرياح
- حذار فتحت الرماد اللهيب *** و من يبذر الشوك يجن الجـــــــراح
* * * * * * *
- تأمل أنى هناك حصدت *** رؤوس الورى وزهور الأمــــــــــــــل
- و رويت بالدم قلب التراب *** وأشربته الدمع حتى ثمـــــــــــــــل
- ســيجرفك الســيل سيل الدماء *** و يأكلك العاصف المشتعــــــل
4) اعتبروا يا أولي الأبصار.
- لكل شيء إذا ما تم نقصان *** فلا يغر بطيب العيش إنسان.
- هي الأمور كما شاهدتها دول *** من سره زمن ساءته أزمان.
- وهذه الدار لا تبقي على أحد *** ولا يدوم على حال لها شان
- أين الملوك ذوو التيجان من يمن *** وأين منهم أكاليل وتيجـــــان ؟
- وأين ماشاده شداد في إرم *** وأين ما ساسه في الفرس ساسان ؟
- وأين ما حازه قارون من ذهب *** وأين عاد وشداد وقحطـــــــان ؟
- أتى على الكل أمر لا مرد له *** حتى قضوا فكأن القوم ما كانــــــوا
- وصارما كان من ملك ومن ملك *** كما حكى عن خيال الطيف وسنان
- يا غافلا وله في الدهر موعظة *** إن كنت في سنة فالدهر يقظــــــان
* الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي في إحدى قصائده المطولة.
5) هدية للشباب العربي الحر الأصيل، المثقف الواعي.
- بهروا الدنيا..
- وما في أيديهم إلا الحجاره..
- وأضاؤوا كالقناديل، وجاؤوا كالبشاره
- قاوموا.. وانفجروا.. واستشهدوا..
- وبقينا دبباً قطبيةً
- صفحت أجسادها ضد الحراره..
- قاتلوا عنا إلى أن قتلوا..
- وجلسنا في مقاهينا.. كبصاق المحارة
- واحدٌ يبحث منا عن تجارة..
- واحدٌ.. يطلب ملياراً جديداً..
- وزواجاً رابعاً..
- ونهوداً صقلتهن الحضارة..
- واحدٌ.. يبحث في لندن عن قصرٍ منيفٍ
- واحدٌ.. يعمل سمسار سلاح..
- واحدٌ.. يطلب في البارات ثاره..
- واحدٌ.. بيحث عن عرشٍ وجيشٍ وإمارة..
- آه.. يا جيل الخيانات..
- ويا جيل العمولات..
- ويا جيل النفايات
- ويا جيل..
- سوف يجتاحك – مهما أبطأ التاريخ -
* نزار قباني الشاعر السوري المشهور.
وهذه بعض أبيات للشاعر نفسه في قصيدة أخرى بعث بها إلى الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، وإن كان يقصد بحديثه جيل الانتفاضة الفلسطينية آنذاك، وهي تصلح اليوم لجيل هذا العصر.
- هزتني رسالتك الرائعة، القادمة من هناك، حيث تعلمنا الأيدي الصغيرة
- .. مبادئ القراءة والكتابة بعدما تحولنا جميعا إلى أميين
- صدقني ياسميح، إنني أشعر بالخجل أمام هؤلاء المبدعين الذين أقالونا
- جميعا، كتابا، وشعراء، ومفكرين، ومنظرين، ومنافقين، ومنجرين
- واستلموا السلطة.
- نحن ملوك مخلوعون، والملوك الحقيقيون هم هذه السلالة الفلسطينية
- .. الطالعة من رحم الحجارة.
]