احرصوا أيها الإخوان على أن لا يمر بكم وقت بغير عمل صالح، وإذا غفلتم فاستدركوا، فقد لقي حنظلة – رضي الله عنه – أبا بكر الصديق، فقال: يا أبا بكر لقد رأيت حالي في حال المنافقين .. فقال: ولم ؟ .. قال حنظلة: ألسنا حين نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ترق أرواحنا وترقى نفوسنا، فإذا انصرفنا عنه تبدل الحال غير الحال ؟ .. فقال أبو بكر: هلم بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: (لو كنتم كما عندي لصافحتكم الملائكة، ولكن ساعة وساعة). فعلاج الغفلة التذكر والتبصر والاتصال بالله تبارك وتعالى: “ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ “ فإذا مس الشيطان قلوبنا بمسيس الغفلة، وفوت علينا من رمضان نصيباً من الخير، فعلينا أن نجد السير وبنذل الجهد، ونقبل على الله: “ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده “. فليتجهز الإنسان بدوام التوبة والاستغفار، ومراجعة صفحات الماضي، فما وجدنا من خير حمدنا الله عليه، وما وجدنا من شر أقلعنا عنه بالتوبة إليه: (يا باغي الشر أقصر). وإذا كان صلى الله عليه وسلم يتوب في اليوم مائة مرة، وهو كما تعلمون قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما بالكم بمن أحاطته المعاصي من كل جانب، وانغمس في لذاته وشهواته، فواجبنا أن نكثر من الاستغفار ونحن على طهر، ونتوجه إلى الله في إيمان كامل وإخلاص صادق، طالبين منه تعالى أن يهيئنا للقيام بالأسباب: “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ “. فالتوبة النصوح، والتوجه الصادق بالرجوع إلى الله تعالى من أسباب الفوز التام يوم القيامة، ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم “ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً “. فاجتهدوا من الآن بالتطهر من أدران الذنوب والمعاصي، فستقابلون شهر رمضان، وفضل الله فيه واسع منه في غيره، لتهيئوا نفوسكم لهذا الواجب العظيم، قال صلى الله عليه وسلم: (من جاءه رمضان ولم يغفر له فيه فلا غفر الله له). والشقي من حرم فيه رحمه الله عز وجل. فالواجب تذكر النفس بفضل هذا الشهر، وإعدادها للعمل فيه، فقد ندبت إلى أعمال كثيرة وواجبات غالية، من صيام وصلاة وذكر وتلاوة لكتاب الله، الذي يطهر النفوس ويحيى القلوب، قال صلى الله عليه وسلم
الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن ويدرسه على جبريل في شهر رمضان مرة، وقرأه عليه في السنة الأخيرة مرتين، ودعوتكم دعوة القرآن، وأنتم تقولون: القرآن دستورنا، فشهر رمضان دعوتكم، فأكثروا من تلاوة القرآن، وتدبروا في معانيه، فإنكم تجدون له حلاوة تتجدد بتجدد تلاوته مهما كنت حافظاً، وتجدون له تأثيراً عجيباً إذا قرأتموه بإمعان، ولا تحاولوا أن تفهموه بتعمق وبحث مضن، بل اقرأوه كما قرأه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن قراه على هذا الوجه كان له بكل حرف عشر حسنات، والله يضاعف لمن يشاء، ومن استمع إلى آية من كتاب الله كانت له نوراً وبرهاناً يوم القيامة. واعلموا أن هذا الشهر شهر الصدقات والزهادة في المادة، فأكثروا من مواساة الفقراء والمساكين، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، ثم اجتهدوا أن يكون لكم فيه عمل تلازمون عليه، واحرصوا على صلاة التراويح، فنحن نصليها بالقرآن كله ثماني ركعات، وصلاة التراويح من السنن المؤكدة، ومن شعائر شهر رمضان ومن مميزاته وخصائصه، فهي ظرف يتصل فيه قلب المسلم بربه، وكان صلى الله عليه وسلم يأتيه جبريل في رمضان فيعرض عليه القرآن، لأن رمضان صيام بالنهار ويناسب أن يكون شهر قيام بالليل، والقيام تناسبه الصلاة. ثم إنكم في رمضان ترقبون ليالي كريمة، يفيض فيها الخير فيضاً، فليلة يوم السابع عشر، يوم الذكرى الجليلة التي اجتمع فيها النصر النظري والنصر العلمي في غزوة بدر، يوم التقت الفئتان: “ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ “ . وليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان، بل العشر هي من ليالي التجلي، فروضوا فيها أنفسكم، وجردوها من علائق الدنيا، وأقبلوا على الله بالصلاة والمناجاة والإلحاح في الدعاء، فإن الله يحب الملحين في الدعاء، ومن كان في فراغ فليعتكف فيها ولا يخرج إلا لحاجة ملحة، فهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ بها الصالحون، أم المشغول فلا أقل من أن يعتكف فيها بالليل، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أقبل العشر الأواخر من رمضان شمر المتزر، وقام الليل، وأيقظ أهله. واعملوا أن الصلة في رمضان مطلوبة في طاعة الله لا في اللهو واللعب، ولكن الناس عكسوا، فجعلوه شهر غفلة ولهو ولعب، فمنهم حجرة يتلو فيها كتاب الله ثم يهجرونه إلى حجرة أخرى يتكلمون فيها بما يشاؤون ويشتهون، معرضين عن السماع والتدبر. مرّ ابن مسعود رضي الله عنه على جماعة خرجوا إلى عرض الطريق فقال لهم: أصحاب محمد كانوا يتزاورون في الله، فقالوا: ما أخرجنا من بيوتنا إلا التزاور في الله، فقال لهم: أبشروا، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لا تزالون بخير ما تزاورتم) فعليكم معشر الإخوان أن تجعلوا هذا الشهر موسم عبادة تتقربون فيه إلى الله وأن تنهجوا فيه نهج السلف الصالح رضي الله عنهم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
-----------------------------------
الحادي أون لاين