أسباب المغفرة في شهر رمضان
عباد الله، اعلموا أن أسباب المغفرة في شهر رمضان المبارك كثيرة وعديدة، ولكن خشية الإطالة أختصرها إلى ما يلي:
أوّلاً: إن أول سبب لمغفرة الذنوب في شهر رمضان المبارك بلوغ شهر رمضان، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي قال: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مُكفّرات ما بينهن إذا اجتُنِبت الكبائر)). الله أكبر، ما أعظم هذا الفضل!
1. أسباب مغفرة يومية بإقامة الصلوات الخمس، كيف لا وقد وصف الله تعالى عباده المؤمنين بقوله: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23]؟! كيف لا والرسول يقول: ((أرأيتم لو أنّ نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من دَرَنِه شيء؟)) قالوا: لا يبقى من دَرَنِه شيء، قال: ((فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهنّ الخطايا)) متفق عليه؟! فهذا سبب لمغفرة الذنوب في شهر رمضان وغيره، ولكن بشرط وحيد ويسير على من يسّره الله عليه، ألا وهو اجتناب الكبائر. فهلاّ حافظنا على أداء الصلوات، واجتنبنا المنهيّات، وخاصّة الكبائر منها. ويؤيّد ذلك قول الرسول: ((ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله)) رواه مسلم.
2. جعل أسبابًا أسبوعية لمغفرة الذنوب بصلاة الجمعة، يقول الرسول : ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام)) رواه مسلم.
ومن فضل الله سبحانه وتعالى أن جعل أسبابًا سنويّة لمغفرة الذنوب ببلوغ شهر رمضان مع اجتناب الكبائر، فكم من رمضان يمرّ علينا، وكم من سنة تلو السنة تمرّ علينا ونحن غافلون عن استشعار هذه الفضائل العظيمة والنفحات الكريمة.
3. و أسباب سنوي لمغفرة الذنوب في شهر رمضان المبارك الصيام، فعند البخاري ومسلم قول الرسول : ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه)). فمن صام رمضان إيمانًا بالله ورضًا بفرضية الصوم عليه واحتسابًا لثوابه وأجره ولم يكن كارهًا لفرضه ولا شاكًّا في ثوابه وأجره فإن الله يغفر له ما تقدّم من ذنبه.
أيها المؤمنون، ومن أسباب مغفرة الذنوب في شهر رمضان المبارك القيام، يقول الرسول في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه((
ومن أسباب مغفرة الذنوب في شهر رمضان المبارك قيام ليلة القدر، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه)) رواه البخاري ومسلم.
يقول الله تبارك وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شهر رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:183-185].
كان السلف الصالح يشتاقون إلى شهر رمضان، ويدعون الله ستة أشهر من عامهم أن يبلّغهم رمضان، فإذا بلّغهم إياه قاموا بحقّه خير قيام، وقاموا يعبدون الله فيه خير عبادة، ثم إذا ختموه دعوا الله في باقي عامهم أن يتقبّل منهم ما قدّموا فيه من أعمال صالحات وفعل للطاعات، فكأنّ عامهم كله شهر رمضان المبارك.
فيا من فرّط في ثلث الرحمة، وتساهل في ثلث المغفرة، فحذارِ حذارِ من التشاغل عن ثلث العِتْق من النيران.
أيها المؤمنون، ومن أسباب مغفرة الذنوب في شهر رمضان المبارك بلوغ آخر ليلة من شهر رمضان المبارك، وذلك إذا قام العبد المسلم بصيامه يوفّيه الله أجره عند إنهاء عمله، يقول رسول الإسلام : ((ويغفر لهم في آخر ليلة))، قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: ((لا، ولكنّ العامل إنما يُوفَّى أجرَه إذا قضى عمله)) رواه أحمد.
ومن أسباب مغفرة الذنوب في شهر رمضان المبارك أنّ الملائكة تستغفر للصائمين حتى يفطروا، يقول النبي : ((وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا)) رواه أحمد.
سئل الرسول : أي الناس خير؟ فقال: ((من طال عمره وحسن عمله))، وسئل أيضًا: أيّ الناس شرّ؟ فقال: ((من طال عمره وساء عمله)) رواه مسلم. فمن نعم الله علينا أن مدَّ في أعمارنا، ووفّقنا لإدراك هذا الشهر العظيم، فكم غيَّب الموت من صاحب، ووَارَى الثرى من حبيب. فإن طول العمر والبقاء على قيد الحياة فرصة للتزوّد من الطاعات والتقرب إلى الله عز وجل بالعمل الصالح والعبادات.