larbi.zermane
عدد المساهمات : 30 معدل المساهمات : 55927 تاريخ التسجيل : 13/08/2009 العمر : 58 الموقع : larbi.zermane@gmail.com
| موضوع: ظاهرة سوء سلوك الرموز ج2 15.08.09 13:53 | |
| مكامن الخلل: ولكن عندما نتدبر القصة من منظور آخر، حول قضية حيوية؛ وإشكالية مؤسسية وظاهرة دعوية؛ لها من الأسباب والمظاهر، ثم من الآثار السلبية الخطيرة ـ إذا لم تؤخذ بعين الاعتبارـ، لذا فإنه من الأهمية بمكان أن تراعى وتدرس؛ ألا وهي (ظاهرة سوء سلوك الرموز). لآن هذه الظاهرة قد تنشأ بسبب الخلل في الاختيار، ثم في المتابعة والحسم في المعالجة. فلو تتبعنا مكامن الخلل في نشوء هذه الظاهرة، لوجدناها كثيرة، فمنها، على سبيل المثال لا الحصر: الأول: عدم التدقيق في اختيار الرموز، وعدم وجود آلية في مراعاة نوعية الوافدين: أي عدم اهتمام القائمين على أي مؤسسة، بحسن اختيار الشخصيات، أو الرموز المقبولة اجتماعياً لدى الآخر. ونحن نعلم أن لكل ظرف أو مناسبة رجالها. وكذلك فإن الآخر يختلف حسب تباين المستوى والمكانة؛ سواء اجتماعياً، أو تعليمياً، أو ثقافياً، أو مادياً أيضاً. والرمز أو الشخص الذي يكون مقبولاً لدى رجل الشارع العادي، قد لا يكون كذلك للفئة النخبوية. لذا فإن حسن الاختيار من الأهمية بمكان. لهذا فإنه من الأهمية بمكان أن تكون الرموز الاجتماعية التي تخاطب الآخر، تتميز بسمات لا تجعلها كوافد عاد. وتدبر كيف اختارت قريش عمرو بن العاص ليكون وافدهم إلى النجاشي ليرد المهاجرين من الحبشة، فما كان من هذه الجالية المسلمة المهاجرة إلا أن اختارت جعفر بن طالب ليحاور ويرد على محاورات عمرو، حتى نجح في كسب القضية لصالح المهاجرين. وتدبر أيضاً نوعية الرسل الذي كان يرسلهم الحبيب صلى الله عليه وسلم، إلى القبائل والملوك. الثاني: عدم مراعاة العنصر الأخلاقي في سلوك الوافدين: فالسلوك دوماً أبلغ من القول. وهناك قاعدة مهمة؛ وهي أن سلوك الفرد يدل على الفكرة التي يحملها. لهذا فمن الضروري أن يكون سلوك الوافد ترجماناً صادقاً للفكرة الربانية التي يحملها. ويجب أن يُعرف بسمات تجعله معروفاً للمحيطين، ـ على اختلاف نوعياتهم وأحوالهم، ـ بحسن أخلاقه، كما عُرِفَ بها يوسف عليه السلام فنطق السجينان ناشدين رأيه في رؤياهما: "إنَّا نراكَ من المحسنين". [2] وتأمل هذا الجانب السلوكي في حياة هؤلاء الفتية المؤمنين؛ أصحاب الكهف، عندما نتدبر الشرط الذي اشترطوه على رسولهم الذي أرسلوه ليحضر لهم الطعام: "فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة، فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه". [3] أي فليتخير أحل وأطيب الطعام أو أجوده، فليأتكم بشيء منه. فتأمل هذا الورع واجتناب المحرمات، والبعد عن الشبهات، وعدم الركون إلى أن الضرورات تبيح المحظورات، ولا أن الطعام كان مجهولاً المصدر. وتدبر كذلك هذا الشرط الصعب لمن يبحث عن طعام في مجتمع مسلم، فما بالك بمجتمع غير مؤمن. وتأمل أيضاً مغزى كلمة: "بورقكم"، أي من دراهمهم المضروبة ونقودهم الفضية، أي من مالهم الخاص. وما توحي به في النفس من أن الداعية لا يأكل إلا من ماله الخاص من ورقه المعروف مصدره، ومن كده الخاص، فاليد العليا دوما خير من اليد السفلى. وهذا يعطي ملمحاً طيباً للداعية أن يترفع عن الدنايا، ويتورع عن الشبهات. فالبعض قد يتخيل أن فقه الواقع، وعدم وجود المجتمع المسلم، قد يشفع له استحلال مال الغير. وقد يجهل البعض هذه التربية السلوكية المهمة، فتنسحب المرونة الدعوية، ـ التي يتقن فنها ـ، إلى مرونة غريبة وخطيرة في التعامل والحذر من الشبهات، ويتجاهل (فقه المحقرات) وآثارها التراكمية المهلكة: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا، كمثل القوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالبعرة، حتى جمعوا سواداً وأججوا النار، وأنضجوا ما قذفوا فيها". [4] وتكون النتيجة؛ سقوطاً في حبائل (سلسلة الذنوب) وحلقاتها المتتابعة التي تبدأ بذنب، يتبعه ذنب، ثم يتبعه آخر، حتى يؤدي إلى تغطية القلب بالران، والذي ينتج حجاباً مهلكاً، والعياذ بالله: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون". [5] الثالث: عدم الاهتمام بتنمية الشعور بالمسؤولية الفردية؛ خاصة عند الرموز: وهذا من شأنه أن يؤدي إلى عدم تنمية الفاعلية الفردية. فالحركة الجماعية نحو الأهداف الربانية لا تلغي التبعة الفردية، وذلك من باب: "كلُّ نفسٍ بما كسبت رهينةٌ" [6] وتدبر هذا الألم الذي شعر به الحارث، وهو يراجع نفسه، من باب الشعور بالمسؤولية الفردية، في القصة التي أوردناها؛ عندما راجع نفسه نادماً ومعاتباً، قال: "أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد". وتأمل مغزى تلك النصيحة التربوية: "فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة، فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا. إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم، ولن تفلحوا إذن أبدا". [7] لقد اتفق هؤلاء الصحب المؤمن على إرسال أحدهم ليحضر لهم الطعام، ورسموا له خطة التحرك، وأفهموه إنه لو كشف أمره، فسيلحقهم جميعاً، عاقبة ذلك الخطأ. وتدبر خطأ الحارث بن يزيد رضي الله عنه، وأخطاء وافد عاد، وآثار ذلك على قومهما. أي أن الخطأ الفردي سيلحق الضرر بالمجموع. وهو باب عظيم في التربية، يعمق مفهوم المسؤولية الفردية. فالفرد في المجتمع المسلم منوط به، التغيير الحضاري لأمته، بشرط أن يكون متوافقاً مع المجموع: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". [8] وعلى هذا يجب التركيز على فاعلية الفرد، ودوره الإيجابي ومسؤوليته في تحقيق الأهداف الغايات العظام، وفي حماية نفسه، وحماية المجموع. وأنه دوما على ثغرة فلا يجب أن يؤتى الإسلام من قبله. الرابع: ضعف الدور الرقابي: وتدبر قصة الذين خُلِّفوا، وكيف كان من أسباب تخلف كعب بن مالك رضي الله عنه، عن غزوة العسرة؛ أن تسرب إلى نفسه شعور بضعف الرقابة، وأنه ليس هناك كتاب حافظ جامع يحصر أسماء الذين خرجوا، والذين لم يخرجوا، وتدبر قوله رضي الله عنه: "والمسلمون مع رسول الله كثيرٌ، ولا يجمعهم كتابٌ حافظٌ ـ يريد بذلك الديوان ـ، قال كعب: فقلَّ رجلٌ يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى به ما لم ينزل فيه وحي من الله". [9]
| |
|