دواء قلبك في رمضان.. فاغتنمه.
عماري جمال الدين(7)
رمضان مدرسة
فيها نتعلم معاني التقوى والخشية والمراقبة لله تعالى. فنقوي صلتنا بالله، ونتقرب منه سبحانه أكثر بالتوبة الصادقة والإنابة والاستغفار، والإكثار من ذكر الله، والمحافظة على الصلوات، وخاصة صلاة الصبح، وتلاوة القرآن بتدبر، والإنفاق والصدقات، وصلة الأقارب والأرحام والإخوان . نتدرب فيه على اكتساب مهارة الصبر وقوة التحمل، والتحكم في الذات، وعلى شحذ الهمة، وتقوية الإرادة والأخذ بالعزيمة في الطاعات والعبادات. فيه يخلو المسلم بربه معتكفا ماسكا لسانه إلا عن ذكر الله، فلا لغو ولا تهريج ولا كلام زائد، ولا يصدر منه ما يؤذي أو يسيء، فهو سلم وسلام أمن وأمان مع الخلق جميعهم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " ...ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل.' فيا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أدبر.
وقفة للتأمل :
ما أجدر المرء في هذا الشهر الكريم أن يقف مع نفسه وقفة تأمل وتفكير عميق ، لاستخلاص بعض العبر والحقائق الدامغة التي نحن عنها غافلون. وإلا فمن ينكر أن الحياة الدنيا زائلة ، وأن الآخرة هي دار القرار ومسكننا الحقيقي الذي سنصير إليه لامحالة. وأنه من يعمل مثقال ذرة خيرا يراه، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يراه. وأننا مرشحون أن نرحل من هذه الفانية إلى الباقية في أي لحظة. وان الفرار إلى الله بصالح الأعمال هو المنجي. هذه بديهيات عقدية يؤمن بها كل مؤمن، فلما نقصر إذا في المسارعة إلى الخيرات، وفي تعمير أوقاتنا بالباقيات الصالحات؟ فالموفق من عرف قيمة الوقت، قال الحسن البصري: " يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك ." وقال أحد الصالحين من رجال السلف: " والله ماندمت على شيء، ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي ." قال الشاعر الحكيم: " إذا هبت رياحك فاغتنمها....فعقبى كل خافقة سكون." وفي الخيرات فاغتنمها ....فما تدري السكون متى يكون." وإذا درت نياقك فاحتلبها ....فما تدري الأصيل لمن يكون." فالوقت هو الحياة، ولو علم الإنسان قيمته لاستثمره لحظة لحظة في طاعة الله تعالى.
محطة للتزود:
قال الله تعالى: " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ." وقال : "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون." وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه." أخرجه أحمد والبخاري ومسلم. فعلى المسلم أن يقبل على طاعة ربه في كل حين وخاصة في هذا الشهر الفضيل بشغف وبهمة عالية. بالإكثار من الذكر، وتلاوة القرآن، والاجتهاد في الدعاء أثناء الصيام والقيام والتصدق على الفقراء والمساكين، ومسك اللسان عن لغو الكلام، والكف عن إيذاء الخلق . فهو موسم الخيرات والبركات فمن لم يحسن استثماره واستغلال أوقاته ملوم محروم. فعلى كل مسلم أن يجتهد ويسارع ويسابق إلى الخيرات وعمل الصالحات منذ أول ليلة من هذا الشهر، ويستغله دقيقة دقيقة. فإننا لا ندري إذا جن ليلنا هل نبقى إلى الفجر.
فرصة للتغيير:
أخي الفاضل غير نفسك يتغير العالم من حولك، فالإنسان قابل للتغيير في معلوماته ومهاراته وحاجاته وأهدافه، وفي كل مرحلة من مراحل حياته. إن التحدي الأكبر في الحياة أن تغير نفسك. قال تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم." إذا يمكن للانسان أن يحدث تغييرا جذريا في حياته، وذلك بناء على الخلفية العقدية والقيمية والثقافية التي تشكلت لديه عبر مساره الحياتي بصفة عامة. باقتناع وبكامل حريته واختياره. إذا سارع إلى تغيير عاداتك السلبية واهجرها، بل واستبدلها بعادات إيجابية، إنه بإمكانك أن تفعل ذلك، فبادر فإن الفرصة مواتية، فكما تمتنع عن الأكل والشرب، فلما لا تمتنع عن الغيبة والنميمة ؟ ولما استطعت الصبر على كل مفطر، فلما لا تتحكم في انفعالاتك وكظم غيضك؟ وإذا كان بمقدورك الامتناع عن شرب الماء البارد الزلال في عز الصيف وأنت في أشد الحاجة إليه، فلما لا تأخذها قاعدة في حياتك فتبتعد عن الشهوات الحرام المهلكات في رمضان وفي غير رمضان، هذه بعض أسئلة وإلا فالأمثلة كثيرة. نعم فمن مقاصد الصيام وأسراره وحكمه البليغة، أن نتغير نحو الأحسن، لنصبح أحسن مما كنا، فالمغبون من استوى يوماه، فنسأل الله عز وجل أن يتم علينا نعمة هذا الشهر الفضيل سالمين غانمين مستفيدين، ثم الصلاة على الحبيب المصطفى، وآله وصحبه، ومن بهم اقتدى. وإلى لقاء بعد رمضان إن شاء الله، وبالتوفيق.