ملتقى الدعوة و التغيير- قسنطينة


[الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. 613623

السلام عليكم مرحبا بك عزيزي الزائر.
المرجوا منك أن تسجل الدخول إذا كنت مشترك لدينا
أما إذا كنت زائرا فأرجوا منك التسجيل معنا في ملتقىالدعوة و التغيير
إذا أردت المساهمة والإستقادةو نحن ننتظر مواضيعك التي نعرف بدون شك أنها شيقة و رائعةنحن ننتظرك فلا تكن بخيلا و إنما كن معطاءا تسقي الملتقى بمواضيعك لتجني الثمار في جنة النعيم
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. 376553

إدارة الملتقى
تحياتي مدير الملتقى
ملتقى الدعوة و التغيير- قسنطينة


[الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. 613623

السلام عليكم مرحبا بك عزيزي الزائر.
المرجوا منك أن تسجل الدخول إذا كنت مشترك لدينا
أما إذا كنت زائرا فأرجوا منك التسجيل معنا في ملتقىالدعوة و التغيير
إذا أردت المساهمة والإستقادةو نحن ننتظر مواضيعك التي نعرف بدون شك أنها شيقة و رائعةنحن ننتظرك فلا تكن بخيلا و إنما كن معطاءا تسقي الملتقى بمواضيعك لتجني الثمار في جنة النعيم
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. 376553

إدارة الملتقى
تحياتي مدير الملتقى
ملتقى الدعوة و التغيير- قسنطينة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الدعوة و التغيير- قسنطينة

ملتقى الدعوة و التغيير ملتقى خاص بحركة الدعوة و التغيير بقسنطينة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
أنت الزائر رقم

web site traffic statistics
Fujitsu Lifebook

سجل الزوار
سجل الزوار
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
أسامة عبد الإله
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_rcapالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Voting_barالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_lcap 
أبو عبيدة
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_rcapالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Voting_barالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_lcap 
إيمان
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_rcapالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Voting_barالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_lcap 
عماري جمال الدين
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_rcapالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Voting_barالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_lcap 
larbi.zermane
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_rcapالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Voting_barالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_lcap 
بن رمضان كريم
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_rcapالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Voting_barالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_lcap 
asil
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_rcapالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Voting_barالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_lcap 
ام احسان
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_rcapالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Voting_barالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_lcap 
عيسى
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_rcapالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Voting_barالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_lcap 
حسين البغدادى
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_rcapالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Voting_barالجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Vote_lcap 
الساعة الآن بتوقيت الجزائر
المواضيع الأخيرة
» التربية الإسلامية واقع وآفاق.
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Icon_minitime02.05.12 19:30 من طرف عماري جمال الدين

» التربية الإسلامية واقع وآفاق
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Icon_minitime02.05.12 19:18 من طرف عماري جمال الدين

» لما يغيب الذوق السليم في حياتنا.
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Icon_minitime27.10.11 22:52 من طرف عماري جمال الدين

» حينما أتوقف عن الكتابة ../ عماري جمال الدين
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Icon_minitime04.10.11 22:53 من طرف عماري جمال الدين

» رمضان فرصة العمر فانتهزها ..
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Icon_minitime20.08.11 2:36 من طرف عماري جمال الدين

» " واتبع هواه .." في التربية الإيمانية
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Icon_minitime09.07.11 17:38 من طرف عماري جمال الدين

» ج) تابع مهارة إدارة الوقت (6)
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Icon_minitime01.06.11 19:32 من طرف عماري جمال الدين

» ب) تابع مهارة إدارة الوقت 20/05/2011
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Icon_minitime20.05.11 16:37 من طرف عماري جمال الدين

» خواطر مربي (4)
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Icon_minitime12.05.11 19:05 من طرف عماري جمال الدين

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 31 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 31 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 404 بتاريخ 15.09.21 10:06

 

 الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عماري جمال الدين




عدد المساهمات : 39
معدل المساهمات : 53197
تاريخ التسجيل : 14/05/2010

الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Empty
مُساهمةموضوع: الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته.   الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته. Icon_minitime15.07.10 0:49

صناعــة الذات
(بين ماهو كائن، وما يجب أن يكون)
 المقدمـــة:
بسـم الله الرحمـن الرحيـم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبد الله، وعلى الآل والأصحاب الطاهرين الطيبين والتابعين وتابعي التابعين، ومن سار سيرهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين. بادئ ذي بدء أتقدم بالشكر الجزيل لأخي وأستاذي الفاضل الشيخ حميدان افريخ –إمام ممتاز بالمسجد العتيق سدراته – حائز على شهادة ليسانس فالماجستار وهو في إطار التّحضير للدكتوراه في العلوم الشرعية جامعة الأمير عبد القادر قسنطينة. فبالتوفيق إن شاء الله تعالى.وبعـد :
لقد أردت من وراء هذه الجولة والسياحة في أرجاء وأقطار النفس البشرية أن أُنوّه بالمكانة المميزة للإنسان في هذا الوجود، وما للإيمان العميق والفهم الصحيح من تأثير فعّال في تحريره وترشيده وتقويته، وتوجيه حركته وسعيه نحو تحقيق الأهداف السّامية والمقاصد النبيلة، لتكون لحياته معنى ودلالة. لأنّه إمّا أن يكون الإنسان صاحب رسالة فيحي بها، ويعيش لها، فيَسعد ويُسعد من حوله، وإمّا ألاّ يكون. فانظرْ لنفسك أيّ المقامين تختار؟ فالحياة نعمة كبرى ورحلة لطيفة، وفرصة العمر مرّة واحدة لا تتكرر، والزّمن ينفلت من بين أيدينا دون أن نشعر، والأمانة تطلبنا صباح مساء وفي كلّ لحظة أن نُحسن حمْلها، والأعباء والتبعات شاقّّة وكثيرة، والضّعف البشري يلازمنا ويلاحقنا في كلّ أطوار حياتنا، فماذا نحن فاعلون يا ترى؟ فليس لنا والله إلاّ أن نأْوي إلى ركن شديد ونفرّ إليه فهو الملاذ الأوحد، وأن نقتفي أثر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلّم شبرا بشبر وذراعا بذراع، وأن ننهج نهجه ونطبّق تعاليمه فهو قدوتنا وإسوتنا تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وهاهو صلى الله عليه وسلم ينصحنا بقوله: "الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله. " حديث حسن رواه شداد بن أوس في سنن الترمـذي.
واللهَ نسأل أن يوفّقنـا وأن يُسـدّد خطـانــا وأن يأخـذ بأيدينا إلى شاطئ النّجــاة، وأن يعيننـا علـى حمـل الأمـانـة وأداء الرسـالـة، إنّـه ولـيّ ذلك والقــادر عليه ولا حـول ولا قـوة إلا بالله العلــي العظيـــم.


البـاب الأول: كيف أنجح في الحيــاة؟
01 طــرح الإشكاليـة، أيـن الخلل؟
إنّ ما تعانيه مجتمعاتنا اليوم من تخلّف وضعف ووهن وتآكل داخـلي لا يخرج على أن يكـون إفرازا للمشكلة الثقافية، وخللا في البنية الفكرية التي يعيشها العقل المسلم، ونتيجة للأزمة الأخلاقية التي يعاني منها سلوك الفرد المسلـم.(1) ضفْ إلى ذلك تفشّي الأميّـة وانتشار البطالـة، وغياب الحرية والعدل، وكذلك الخطاب الديني الموغل في التقليد، وهكذا فلا التنشئة الأسرية ولا المحاضن والفضاءات التربوية والنوادي الثقافية، ولا المنابر المسجدية والإعلامية استطاعت أن تصنع لنا الإنسان الذي نريد.




(1) ص 09 أدب الاختلاف في الإسلام- د.طه جابر فياض العلواني
"حتى النّخب في الوطن العربي- ناهيك عن المواطن العـادي- لا تملك التكويـن الثقافـي والمعرفي والفلسفي، الذي يمكّنها من تحمّل وجود الرّأي الآخر، كما أنها لم تتخلّ بعد عن التغذي من انتصارات الماضي بالقدر الذي جعلها عاجزة عن فهم إشكاليات الحاضر ورهانات المستقبل، وهي بذلك فشلت في إنتـاج خطاب متفتّح متسامح براغمـاتي، من أجل فكّ الاشتباك بين الإسلام كطرح للهويّة، وبين الدّيمقراطية كوسيلة وآلية لا تتعارض مع هذا الطرح، وبالتالي تُعتبر الثّقافة الفريضة الغائبة.(1)
وعليه نؤكّد وللمرة الألف أن أزمتنا ثقافية فكرية خلقية، قبل أن تكون سياسية اقتصادية اجتماعية. ويبقى الأمل قائماً من أجل نهضة قوية تعيد للأمّة مكانتها الرّيادية بالشّكـل المناسب وفـي الوقت المناسب نهضة فـي العلوم والثّقافة والفنون في الاتّصالات وفي البناء والتشييد، يقوم بهـا رجال ونساء شيوخ وشباب من أبناء هذه الأمـّة. وإذا كانت جريدة حرّة أخطر من ألف مدفع كما قـال نابليون بونابرت، وأنّ الفقر الثقافي أخطر بكثير من فقر الدم، كما قال الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه، فإنّه ما من سبيل للخروج من هـذا النفق وتجاوز هـذه العقبة الكؤود إلا بمعالجة جذور الأزمة الفكريـة الثّقافيـة، بتصويب الفهم لأن معظم الانحرافـات والتشوّهـات التي نلحظهـا والممارسات المخطئـة، مردّها إلى فهم معوج ورّث عللا في النّفوس وأخطاء فادحة قاتلـة، وفتنا هوجاء أتت على الأخضر واليابس حصدت الأرواح والممتلكات وخلّفت تداعيات ورواسب سلبية كثيرة، لـــذا لا بـــدّ مــن تقييـم دقيق وإعادة ترتيب قناعات جديدة،



(2) مقال بجريدة الخبر- للمفكر التونسي صلاح الجورشي.
وترتيب أولويات لتصحيح المسار، بإيلاء البعد الإيماني والفهم الصّحيح والتثقيف أهميّة كبرى، بنشر فكر الاعتدال والوسطية حتى لا تضيع الأمّة بين التشديد والتفريـط، وإعادة صياغة السلوك الخلقي كضمانة ضروريـة وحتمية لازمة، وإلاّ كيف يستقيم الظلّ والعود أعوج؟
وقفـــات
إنّنا قلّما ننظر إلى الداخل لأنّ الانبهار بالآخر (الغرب)، والانشغال بعيوب الغير والتشهير بها لم يدعْ لنا فرصة التأمل في بنائنا الداخلي. وقد ثبت في الأثر: "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه"، "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الآخرين"، "امسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ علىخطيئتك". فما أحوج الواحد منّا، أن يتوب إلى ربّه، ويؤوب إلى رشده، ويعود إلى نفسه. قال الشّيخ الغزالي: "فالإنسان أحوج الخلائق إلى التنقيب في أرجاء نفسه، وتعهد حياته الخاصة والعامّة، بما يصونها من العلل والتفكّك"(1) أقرب الناس إليك نفسك التي بين جنبيك، وأشدّهـم حاجة إلى التغيير أنت. ولذلك قيل:إذا أردت أن تغيّر العالم فابدأ بنفسك. وكل صادق في دعـواه يسعى لتغيير مـابنفسه أوّلا، وهي أكبر وأطول وقفة، تليها وقفات أخرى مع كلّ من لهم حقّ عليّ. مع الأسرة، ثم مع القرية أو المدينة التي أقطن بها، ثم مع الوطن، ثم الأمّة عامّة فالإنسانية قاطبة، كلّ على قـدر طاقته وقدراته وإمكاناته ومجال تخصّصه، لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها.فالله أنعم علينا بفضله وكلّفنا بقدر طاقتنا. وإذا كانت نعمة الحياة مرة واحدة لا تتكرر وفرصة العمر أيضا كذلك، وإذا كان الزمن ينفلت منّا انفلاتا دون أن نشعر، وفي الوقت ذاته نحن عن الأمر العظيم الذي أُنزل إلينا غافلون أو قُل مقصّرون.


(1) ص 17 جدد حياتك- محمد الغزالي
قال تعالى:"وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عمّا يشركون."(67-الزمر) فإنه حريّ بنا أن تكون لنا محطات من حين لآخر للتّزوّّد والتّّأمل والتّّفكر واستعمال النظر في أحوالنا وفي مواقفنا وتصرفاتنا وأعمالنا، في علاقاتنـا وتواصلنا، في درجة تأثُّرنا وتأثيرنا فيمن يحيط بنا. فيما قدّمنـا وفيما لم نقـدّم، وفيما ينبغي أن نقدّم. إنه يتوجّب علينا تقييـم ومراجعة جهودنا ومساعينا ومبادراتنا، وترشيـدها نحو الأصوب. فنحن بشر نخطئ ونصيب. اذن حياتك هذا القصر الضخم الذي أنت منهمك في تشييده هو شخصيتك وهويتك وقصة حياتك بأكملهـا.
أسئلـة فـي الصّميـم
إذن نقطة الانطلاق وأولوية الأولويات: أن تعرف نفسك من أنت؟ وماذا تريد؟ وكيف الوصول إلى ماتريد؟ ما العلّة من وجودك؟ هل أنت على الطّريق؟ مادورك؟ مارسالتك؟ هل لك رؤية واضحة؟ هل تعمل بخطّة؟ ماذا أنجزت؟ ماذا تمتلك من مهارات وكفاءات؟ هل تبذل جهدا في هـذا الاتجاه؟
كن صريحا وأجب بوضوح مـاذا قدّمت لنفسك؟ (أقصد تطويرها وتنميتهـا) ماذا قدّمت لأسرتك؟ لوطنك؟ لأمّتك؟ للبشرية جمعـاء؟ أليس لك فضل على الاطلاق؟ لم تنجز شيء؟ إذن لا أثر لك ولا بصمات.
سيدي الكريم هل تنوي مراجعة أمورك؟ هل تشعر بألم ما؟ أترغب في أن تنطلق؟ على كل حال الفرصة أمامك. لم يبقَ لي إلا أن أُذكّرك بما قاله مصطفى صادق الرافعي رحمة الله عليه: "إذا لم تضف شيئا إلى الدّنيا، كنت أنت زائدا عليها".
وكما قال الرئيس الأمريكي الأسبق -كندي-: "لا تقل لوطنك ماذا قدّمتَ لي؟ بل قل ماذا قدمتُ أنا لوطني؟ إذن هذه بعض أسئلة دارتْ في خلدي وبإمكانك أن تطرح أسئلة أخرى مشابهة وما أكثرها! إنّها ليست أسئلة استفزازية بل أسئلة فـي الصّميم أطرحها علـى نفسي أولا وعليك ثانيا، والقصد من وراء ذلك لفت الانتباه إلى ضرورة التأمل وإثارة ملكة التفكير وتحريكها وتشغيلها.
مهمّــة نبيلـــة
فعمر الإنسان قصير جدّا ومهمّ جدّا وجميل جدّا، والحياة رحلـة لطيفة جميلة بحلوها ومرّها، وقد استخلفنا الله فيها لنعمّر الأرض، ونسخّر كل ما في الكون والطبيعة، ونبني الحضارة وننشر رسالة الإصلاح والخير، ونمدّ جسورا للتّعاون والتّعارف مع الآخر. قال تعالى: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم".(13-الحجرات) ينبغي أن نكسب ثقافة الأمل وصناعة الحياة، واستغراق جلّ أوقاتنا فيما يعود علينا وعلى البلاد والعباد بالخير والبركات.
تعميق الوعـي المتسائـل
باستعمال المخيّلة والفكـر وطرح الأسئلـة، فالإنسان من حقّـه أن يسأل وأن يتساءل لأنّ القلق المعرفي المسكون بالسؤال مشروع وإيجابي، فهو المحرّك الحيوي للثقافـة التي تعيد قراءة ذاتها، وتخلق السّؤال من رحم الجواب. فالمفكّـر المتأمّل الباحث، يحمل همّ السؤال قبل همّ الجواب.
إنّ العقل العربي مطالب اليوم بتقديم أجوبة جديـدة لما يطرحه عليه الرّاهن من أسئلـة. لابدّ من إحيـاء فريضـة التفكير في حياتنا ولابـدّ من اعتماد النّقد واستعمال النّظـر كفعالية ديناميكيـة لاستئناف التساؤل، لأنّ التساؤل يستبطن بالضرورة الرّغبة في التغيير. ولايمكن أن يتملّكنا الخوفُ على ثقافتنا وهي تمارس النّقد على ذاتها، لأنّها في جوهرها تمتلك من المتانـة والقدرة ما يؤهلها على الصّمود واستيعاب الجديد. ولعلّ من الأسئلة الجديرة بالطرح في عالمنا اليوم على المستوى الفردي، لماذا لم أرتقِ إلى المستوى المطلوب؟ وعلى المستوى الجماعـي؟ لماذا تأخّر المسلمـون وتقدّم غيرهم؟ وليس من باب جلد الذات أطرح مثل هذه الأسئلة ولكن رغبة في التّّغيير والتّطوير.
ســرّ تقدّمهــم
فالإنسان الغربي لا يختلف على بقيّة البشر من الناحية البيولوجيـة، غير أنه فتح عقله على عيوبه فراح يتخلّص منها، وفتح عقله على إمكاناته وراح يستثمرها بالقدر الذي يستطيع، وأدرك اليابانيون وكثير من الآسياويين نفس ما أدركه الإنسان الغربي فصنعوا ما نعرف جميعا.إنّ قدرات أيّ أمّـة تكمن فيما تمتلكه من طاقات بشرية مؤهّلة ومدرّبة، وقـادرة على التكيّف والتّعامل مع أي جديد بكفاءة وفعالية. وما تجربة دول جنوب شرق آسيا منّا ببعيد، فسـرّ نهضتهم ونموّهم وتقدّمهم يكمن أوّلا وقبل كل شيء في عقول أبنائهم وسواعدهم الفتيّة. وللّحاق بالرّكب لابدّ من إعطاء أهميّـة وشأن للعلم والمعرفة، وفهم قوانين الحياة ومعرفـة سنن التغييـر في الأنفس والآفاق. وإذا كان التّحدّي المطـروح اليوم كيف نؤسّس لتنمية شاملـة التي هدفها الإنسان؟ فإنّ التحدّي الأكبر كيف نصنع الإنسـان؟ لأنّ البشر هم الثروة الحقيقية لأيّ أمّـة. في حين أصبح مفهوم التنمية مرتبطـا بجودة حياة البشر، والاستثمـار في الإنسـان. فماذا فعلنا نحن في هذا الاتجـاه كأفراد وأُسَـر وجماعات، كمجتمعات ودول وكأمة؟ ماذا دهى أنظمتنا التربوية والاجتماعية؟ أين الجهد الذي تبذله النّخب المثقّفـة؟ وامتثالا للمقولة الإيجابية: "عوض أن تلعن الظلام أوقد شمعـة"، وفي هذا الإطار أقدّم هذا الجهد المتواضع عسى أن يكون لبِنة ومساهمـة جادّة، رغبة في استنهاض الهمم وبعث الأمل والإقناع بضرورة الاهتمام ببناء وصناعة الإنسان.
موروثنـا الثّقافــي زاخـر وافـر وغنـيّ
كم هو جميل أن نغوص في أعماق موروثنا الثقافي والحضاري الزّاخر بالأمجاد والغنيّ بالمآثـر والبطولات، لنستخرج منه اللآلئ والجواهر والدّرر. وكم هو رائع أن نقتفي أثر سلفنا الصالح إذ لا يصلح آخر هذه الأمـّة إلاّ بما صلح به أوّلهـا، وأن نقوم بما يجب القيام به وأكثر. أمّا الجمـود والتحجّر والوقوف على الأطلال، والتغنّي بالأمجـاد والافتخار بها والاستغراق فـي الماضوية، فلسنا معنيين به بالقدر الذي نحن معنيون بصناعة أمجاد جديدة وصفحات مشرقـة أخرى ترتقي إلى ما يتطلّبـه ديننا الحنيف من رفعة وسموّ من جهـة، وما تتطلّبه تحدّيات العصر على مختلف الأصعدة من جهة أخرى. إنّنا لا نريد أن نبقى أسيري تمجيد وتقديس لحظة الماضي وكأنّ مجدنا الرّمزي فعلا منجزا منتهيا، وامتلاك الحقيقة حكرا على الأوّلين دون الآخرين، فالزمن لم يتوقف والعجلة تدور والفرصة التاريخيـة مفتوحة للجميع، والتاريـخ أصلا هو علم دراسة الماضي لتفسير الحاضر واستشراف المستقبل، فمن لا ماضي له لا حاضر له ولا مستقبل نعم هذا صحيح، لكن نحن معنيون ومسؤولـون عن اللحظة التاريخيـة التي نحن بصددها الآن.

قال الشاعــر الحكيـم:
إنّ الفتى من يقول ها أنا ذا  ليس الفتى من يقـول كان أبي
وإذا كان ظاهر التاريخ إخبارا فإن باطنه نظر وتحقيق، واستخلاص عبر ودروس. قال تعالى: "تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون" (141-البقرة) وفي سياق آخر قال تعالى: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب"(111-يوسف)، وهكذا فالمتنوّر الواعي يتعلّم من ماضيـه ويعيش ويحيا حاضره، ويخطّط لمستقبله.
خـذ للحيــاة سلاحهــا
وبالتالي لابدّ أن تكون عندنا رغبة مُلحّة في النّجاح في الحياة، وأن نذهب إلى الأشياء، وأن نطرح أسئلة جديرة بالطرح، ونخرج إلى الواقع لنكاشفه ونلامسه ونضيف أشياء ونصنع أشياء جميلة، وأن نغير بلطف وبحب وحكمة دون عنف وتشنّج وانفعال، وإلحاق الأذى بالنّفس أو بالآخر.
ينبغي أن تكون أصواتنا قويّـة، وأن نكون قادرين على تقديم خيارات صحيحـة وأفكـار ورؤى صائبة، ومبادرات ومشاريع عملية تُجسّد كإنجازات على الميدان. وقد ثبت في الأثر"المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلّ خير." قال الشاعر:
كـنْ قويّا إذا ما وددتَ حياة  فالحياة، الحياة..للأقويــاء
تجربــة حيـــاة
فلنبادرْ ولنقلعْ عن الانتظـار والتسويف، وأن نهجر منطق الافتـراض ونظرية التآمر وتعليق أخطائنا وفشلنا على مشاجب الآخرين. قال الشاعر الحكيم:
يعيب النـاس كلهـم الزمانـا  ومـا لزماننا عيب سوانـا
نعيب زمـاننا والعيب فينــا  ولو نطق الزمان إذن هجانا
أيْ بنيّ إنّ التغيير الحقيقي يحدث من داخل النفس البشرية لا من خارجها، فالبداية مع نفسك التي بين جنبيك تعرّف إليها أوّلا، أنهها عن غيّها، جاهدها، روّضها على اتّباع الحق. قال تعالى:
"واصبر نفسك مع الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطا"(28-الكهف)
أعرف الحق تعرف أهله.
احْتذِ بأمثلة من جرّب، واستمع إلى ما خلّده السّابقون الصّالحون من أقوال فإنّها خلاصة أعمارهم وزبدة تجاربهـم. وافتح قلبك وعقلك إلى كل من يؤثّر فيك إيجابيا مادام شرع الله ميزانك. واستفِدْ ممّن لهم بصر بالحيـاة وخبرة بالناس واطّلاع على دقائق المجتمع. واقتربْ من كلّ من له همّة عاليـة ومروءة وعلم وتقوى وحكمة وفهم أصيل واعتدال، ولا تضيّع قوله ولا فعله. اجتهدْ في أن يكون لك أثر، فلكل إنسان وجود وأثر ووجوده لا يغني عن أثره، لكن أثره يدلّ على قيمة وجوده.وكن كالرّجال إذا سُئِل عنهم قيـل: "من هنا مرّوا وهذه آثارهم". فكمْ من شخص مغمور لم يكن شيئا مذكورا، وبرغبته الشديدة في النّجـاح وبإرادته القويّة، وبتوفيق الله أوّلا وقبل كل شيء له، استطاع أن يصبح رقما صعبا متميّزا عن أقرانه وأهل زمانه. فاعملْ وثابرْ واجتهدْ وتحرّ الإخلاص في كلّ ذلك، وتواضع للخلق يحبّوك، واحلم على مخطئهم يجلّوك، وابتسم عند الهزيمة إذْ ليس العيب في أن تفشل أو تسقط إنّما العيب أن لا تنهض، والنّجاح قريب جدا من المداوم على المحاولـة. وغاية كلّ إنسان عاقل واعي مثقّف ذو همّة طموح أن يكون: "رقما صعبا" وأن يصل إلى درجة الامتياز البشري، فكَنْهُ أي كنْ نفسك، وارفعْ زيف التكلّف والتصنّع عنك وستجدْ بداخلك إنسانا جديرا بالاحترام. إسْعَ لامتلاك الأدوات المهنية والفكرية والثقافية، أمّا الأمور اأخرى فشكلية. وماهو ممكن لغيرك فهو ممكن لك. قال تعالى: "فإذا عزمت فتوكّل على الله".(159-آل عمران). قال شاعر الحكمة أبو الطيب المتنبي :
ولم أَرَ في عيوب النـّاس عيباً  كنقص القـادرين على التّمام
أيْ بنيّ قوِّ صلتك بالله، واكثرْ من ذكره بكرة وأصيلا، وردّدْ كثيرا هذا الدّعـاء: "اللّهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" ودعـاء: "اللّهم إنّي أسألك قلبا خاشعا، ولسانا ذاكرا، وبدنا على البلاء صابـرا".راقبْ مولاك في كل حركة وفي كل سكنة، في كل نيّة وفي كل قول أو فعل. قال ابن القيم رحمه الله: "لكل همّة وقفة". أي إذا هممتَ بأمر فانظرْ هل أنت قادر عليه أم لا؟ وهل هو خير أم شرّ؟ ثم هل هو لوجه الله، أم لغير وجه الله؟ وهل هو أمر تقوم به لوحدك، أم تحتاج فيـه إلى من يعينك؟ وليكن هذا ديْدَنُك في كل أمر تُقـدم عليه حتى تلقـى الله وأنت على ذلك، وإذا فعلتَ فابشرْ والزمْ. ولئن تخرج روحك من جسدك، خير لك من أن تقطع صلتك مع مولاك. وقـد ثبت في الحديث الشريف أن:" مثل الذي يذكر ربّه والذي لا يذكر ربّه كمثل الحيّ والميّت".
هذه صورة عن نفسي وفيْض مشاعري، وحصاد ثقافتي، وثمرة تجاربي، وقد خبِرْتُ الحيـاة ككلّ إنسان حلوها ومرّها، وعرفتُ النّاس خيارهم وأشرارهم، قال الشاعـر الحكيـم:
النّاس أخلاقهـم شتّى وإن جُبِلوا  على تشابه أرواح وأجســـاد
ليكنْ شعارك دائما عند معاشرة الخلق قوله تعالى: " ادفع بالتي هي أحسن"(96-المؤمنون)، وقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلّم: "وخالق الناس بخلق حسن" -رواه البخاري- وقال حسن صحيح.
وارضَ بما قسّم الله لك تكن أغنى النّاس.

قال الشاعـر محمد مصطفى حمام(1):
علّمتنـي الحيـاة أن أتلقّــى  كل ألوانها رضا وقبـولا
أنا راضٍ بكـلّ صنـف من النا  س لئيمـا ألفيتـه أو نبيـلا
لست أخشــى مـن اللّئيـم أذاه  لا، ولن أسأل النبـيل فتيلا
فسّـح الله في فـؤادي فـلا أر  ضى من الحبّ والوداد بديلا
فـي فـؤادي لكـلّ ضيف مكـان  فكن الضّيف مؤنسا أو ثقيلا
ضلّ من يحسب الرّضا عن هوان  أو يراه على النّفاق دليـلا
فالرّضا نعمة من الله لـم يسـ  ـعد به في العباد إلاّ قليلا
علّمتني الحياة أنّ لهـا طعمـ  مين، مُرّا وسائغا معسولا
فتعـوّدت حالتيهـا قريـرا  وألِفْتُ التغييـر والتبديـلا
أيّها النّاس كلّنـا شارب الكـأ  سين إن علقما وإن سلسبيلا
02 صناعــة التفكيـــر
كيف نجح الناجحون وفشل الفاشلون؟
"لماذا يوجد إنسان سعيد وآخر شقي حزيـن؟ ولماذا يوجد إنسان فرح مسرور وآخر بائس كئيب؟ ولماذا هناك إنسان خائف وقلق، وآخر مليء بالثقة والإيمـان؟ ولماذا يحقّق إنسان نجاحا باهـرا، وإنسان آخر يفشل فشلا ذريعا؟" (2)
نجح النّاجحون لأنّهم عرفوا أنفسهم من هم، عرفوا وزنهم حجمهم حقيقتهم محلّهم من الإعـراب ومن الوجود. لأنّهم فقهوا طبيعة دورهم ومهمّتهم في الحياة، نجح النّاجحـون لأنّهم عرفوا للوقت قيمته فاستثمروه إلى أبعد الحدود، لأنّهم رتّبوا ونظّموا شؤونهم الخاصة والعامّة، فهجروا التسرّع والاندفاعية، وطلّقـوا الارتجاليــة وحاربوا



(1) ص 88 جدد حياتك-محمد الغزالي
(1) ص 6 قوة عقلك الباطن- د.جوزيف ميرفي
الفوضوية، نجح النّاجحون لأنّهم اقتنعوا وتبنّوا قِيَماً أصلية فحصّلوا العلم وأتقنـوا العمل واعتمدوا التّخطيط والتّقييم منهجا فأنتجوا وأنجزوا وأبدعـوا. نجح النّاجحون لأنّهم استمدّوا قوّتهم من خالقهم عزّ وجلّ، ومن استقامتهم وحسن أخلاقهم، نعم هكذا نجح النّاجحون.
نعــم للإيجابيــة
"هناك نوعان من الرّجـال: أحدهما به قوّة المغناطيس فهو يتمتّع بالإيمـان والثّقة واليقين، لأنّـه اكتشف كنز الثّروة الذي بداخله"(1). بعد أن تأمّل ذاته وفي الكائنات من حوله وفي عِظَم التّبعـات والمسؤوليات الملقـاة على عاتقه حينها استشعر القدرات الهائلة والطّاقات الرّهيبة التي زوّده بهـاالقـدر، وأنّه بإمكانه أن ينجز الكثير والكثير، وهويعلم أنّه ما وُلِد إلاّ لكي ينجح ويفـوز ويُحْـرِز الانتصار تلو الانتصار ويتحدّى، ويعيد الكرّة عند الفشل ويصبر ويستمرّ ويواصل ولا ينهزم.
قال بهي الخولي رحمه الله في كتابه القيّم "تذكرة الدّعاة": "واعلم يا أخي أنّ كلّ إنسان كائنا ما كان ينطوي على مناجم إلهية من العبقريات العظيمـة، وإمداد من العزائم والهمم، وكنوز من الفضائل التي تنضّر وجه الحياة، وتزدان بها الإنسانيـة، ولا سبيل إلى إثارة هذه المناجم النّفيسـة، إلاّ أن تثيرها باسم الله العليّ الكبير، فاسم الله وحده هو مفتاح هذه الكنوز الربّانية المغلقـة، ولا يضع الله هذا المفتاح إلاّ في يد العبد الربّاني الذي يتخلّق بصفات الربّانية الفاضلة، يجاهد نفسه حقّ المجاهدة ويقمع هواه في غير هـوادة، فيفضي بذلك إلى ما شاء الله من بطولة وتوفيق"(2) فرحـم الله امرءً عرف قدر نفسه، وقدّر ربّـه، وقدٍّ المهمّـة التي خُلِق من أجلها، فسعى لها سعيهـا، فحمل الأمانـــة

(1) ص 6 قوة عقلك الباطن- د.جوزيف ميرفي
(2) ص 80 من أعلام الحركة الإسلامية-المستشار عبد الله العقيل
وأدِّى الرسالة، وجاهد في الله حقّ جهاده حتّى أتاه اليقين.
لا للسّلبيــــة
"وأمّا الشّخص الثّاني، فهو يغطّ في سبات عميق، لم يعلم شيئا عن منجم الذّهب الذي بداخلـه، لا
يتوفرٍّ على قوّة المغناطيس الجاذبة.يملأه الخوف والشكوك والتردّد، وتُسنح الفُرص العديدة أمام عينيه فلا يستغلّها ويقول لنفسه: "لا أستطيع"..."ربّما أفشل." هذا النّوع من الرّجال لن يذهب بعيدا، ولن يحقّق إلاّ النّزر اليسير من الإنجازات في حياته"(1) فحاله كحال من قال فيه الشاعر الحكيم:
كالعير في البيداء يقتلهـا الظّمأ  والماء فوق ظهورها محمول
فهو لم يكشف ذاته، ولم يعرف بعد السرّ من وجوده، تقديره لذاته ضعيف بسبب تفكيـره السلبي
ونظرته الدّونية، فهو مقيّد مكبّل، أسير تصوّراته الوهمية إزاء نفسه وإزاء الحياة. قال تعالى: "الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا"(104-الكهف) قال.ج. ميرفي:
ّإنّ كل شقاء وكلّ شرّ يأتي من فهم الإنسان المظلم، ومن جهله وتفسيره الضّال للحياة"(2)
وقال الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه، وهو أحد مؤسّسي مدرسة الوسطية والاعتدال في هـذا العصر: "إنهاّ لجريمة قتل أن ننتمي لهذا الدّين ثمّ لا نحسن فهمه، ثمّ لا نحسن عرضه، ثمّ لا نحسن الدّفاع عنـه" وبعبارة أوضح إنّ جلّ مشكلات النّاس ناتجة عن فهم ساذج وعن خلل في العقيـدة وبالأحرى ضعف في التّوحيد. فكلّ تصوّر خاطئ يورّث سلوكات خاطئـة.

(2) (3) ص 6 قوة عقلك الباطن د- جوزيف ميرفي
لأنّ وراء كلّ سلوك قصد ونيّة، ولذلك قال الصّادق المصدوق صلى الله عليه وسلّّم في الحديث:
"إنّما الأعمال بالنّيات، ولكلّ امرئ ما نوى...". والتصوّر الصّحيح يورّث سلوكات صحيحـة.
ودعني أقول: أنّه ما من محنة أو بلية تنزل بساحتنا إلاّ بسبب خطإ في السّلوك، ناتج عن خطإ في التصوّر والاعتقـاد، وما من مشكلة تصيب إنسانـا ما إلاّ بسبب معصية ارتكبهـا، ما من معصية ارتكبهـا إلاّ بسوء تصوّره. إنسان يتوهّم أن الرّزق يأتيه من معصية، تصوّر واعتقاد خاطئ ينمّ عن جهل فظيع. والأصل أنّه: "ما ترك عبد شيئا لله، إلاّ عوّضه الله خيرا منه في دينه ودنياه" فبالعلم تُزال التصوّرات الخاطئة والعقائد الفاسدة، ومن قرأ بابا في العلم سلِم ونجا وسعِد. ولو نقرأ القرآن الكريم قراءة وتلاوة صحيحة لاكتسبنا تصوّرا صحيحا. فالحرام والمعاصي والشّبهات مدمّرة، من يقترب منها يحترق، لأنّه إذا صحّت عقيدتك صحّ دينك. وما أكثر تصوّراتنا الخاطئة عن الدّين وعن الحياة بصفة عامّة. فانظر كيف كان تصوٍّر الصّحابة لمفهوم الإفلاس أو المفلس. قال لهم رسول الله: "أتدرون من المفلس؟ قالوا:المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس فيكم من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا فنيت أخذ من سيّئاتهم ثمّ رُمِيَ به في النّأر." إذن تصوٍّرهم لمفهـوم الإفلاس كان خاطئا لا شكّ، ونحن كذلك اليوم الكثير منّا لا يملك تصـوّرًا صحيحا عن الصّلاة والصّيـام والحجّ، وعن الانفاق وهلّم جـرا..فينبغي أن ننتبه ونتعلّم جيّدا ولذلك ثبت في الحديث الشريف: "من يرِد الله به خيرا يُفقِّهْه في الدّين" إذن نجاحنا فلاحنا أن نملك تصوّرا صحيحا للدّيـن، ولمفاهيم وقوانين الحيـاة وما أكثرها! أنظر المسلميـن اليوم كيف يفهمون الدّين فهما سطحيا ساذجا. التصوٍّر والاعتقاد الصّحيح معناه مستحيل أن تعصيه وتربـح، وبالمقابل مستحيل أن تطيعه وتخسر. للأسف الشّديد الكثير ممّن يملكون تصوّرا خاطئا عن حقيقة دينهـم. تصوّروه شعائر تعبّديـة فقط، الدّين عندهم شعـارات، فصلوا الدّين عن السّلوك، فهموه عبادات فقط ما فهموه ورعاً وخشيةً وأمانةً. وهذا شاهد من السّيرة على سبيل المثال لا الحصـر: "تخلّف الصّحابي الجليل كعب بن مالك عن الجهـاد ومعه نفر كثير من المنافقين اعتذروا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقبل أعذارهـم، أمّا كعب فقد كان بإمكانه أن يفعل –وخاصّة وقد أوتي جدلاً (قوّة إقناع) كما يقول عن نفسه- لكن لصدق إيمانه أبى بل اعترف بخطئـه، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: "أمّا هذا فقد صدق" إذن فصحّة التصوّر والاعتقاد أساسه التّوحيد.
كمــا تفكــر تكــون
وقبل أن تنطلق عليك أن تتحرّر من كلّ القيـود والخلفيات المسبقـة، وأن تترك الخوف الوهمي وكثرة الشّكـوك، والتنصّل من الفِكَر السّلبيـة التي تولّد بدورها مشاعر سلبيـة، وأن تكنس كل الرّواسب العالقة والمخزّنة منذ أمد بعيد. فالأصل في حياة الإنسان الإيجابية إنْ على مستوى التّفكير أو المشاعر أو السّلوك. فمن عنده فشل أو تعاسة أو خوف فليركّز على عكسه، وبعبارة أوضح أن يُقبل على ما يريد لا على ما لا يريد. وأنْ يغيّر طريقة تفكيـره بكسر النّمط الدّائـري الذي طالما سبّب لصاحبه إخفاقات وإحباطات بل وأمراض دون أن يشعر، ولذلك قيل: "غيّر أفكارك كي تغيّر مصيـرك" فإذا فكّرت في الخير فسوف يتدفّق الخير، وإذا فكّرت في الشرّ فسوف ينتج الشرّ، والمثل العربي يقـول: "تفاءل بالخير تجده"، فالإنسان هو: ما يفكّر فيه طوال النّهار، ولأمر ما قال أحد الفلاسفـة: "أنا أفكّر أنا موجود" قال الشيخ الغزالي: "كما قال الإمبراطور الرّوماني "ماركوس أوراليس": "إنّ حياتنا من صنع أفكارنـا". وعليه إذا نحن ساورتنا أفكار سعيدة كنّا سعداء، وإذا تملّكتنا أفكار شقيّة غدونا أشقيـاء، وإذا خامرتنا أفكار مزعجة تحوّلنا خائفين جبناء، وإذا تغلّبت علينا هواجس السّقم، والمرض، فالأغلب أن نبيت مرضى سقماء. وهكذا..."(1) قـال "ديل كارنجي": "إنّ أفكارنـا هي التي تصنعنا واتّجاهنا الذّهني هو العامل الأوّل في تقريـر مصيرنا" وقال "إيمسون": "نبّئني ما يدور في ذهن الرّجل، أنبّئك أيّ رجل هو"(2)
وقـال الشيخ الغزالي دائما: "واعتقادي الجازم أنّ المشكلة التي تواجهنا هي: كيف نختار الأفكار الصّائبة السّديـدة؟ فإذا انحلّت هذه المشكلة انحلّت بعدها سائر مشكلاتنا واحدة إثـر أخرى"(3).
إنّ الطريق للخلاص من الظلمة هو النور، وطريقة التغلب على البرد بالحرارة، وطريقـة التغلب على الأفكار السلبية باستبدالها بأفكار طيبـة، أكّدْ على النية الطيبة تختفي النية السيئة.
والحلّ أن تفضفض وتخرج كلّ الوساوس والمشاعـر السّلبية التي تملأ نفسك، وتضع نصب عينيك هدفا واحدا وهو: أن تتغلّب على نقائصك لترتقي في سلّم الكمال البشـري وإلاّ فلا تحسّن. تخيّلْ نفسك سعيدا متألّقـا رابط الجأش مُعافى وستكون كذلك، والعكس صحيح. فالسّعادة فكرة والشّقـاوة فكرة وكلّ التّجارب النّاجحة بدأت بفكرة.





(1)(2)(3) ص 106- 107 جدد حياتك- محمد الغزالي
 حاجتنا إلى التّربية والثّقافة كحاجتنا للهواء.
ويستطرد صاحب كتاب "جدّد حياتك" قائلاً: "...والنّفس وحدها هي مصدر السّلوك والتّوجيه حسب
ما يغمرها من أفكـار، ويصبغها من عواطف. إنّ ارتفاع الإنسان في مدارج الارتقـاء الثّقافـي والكمال الخلقي يغيّر كثيرا من أفكاره وأحاسيسه، ونحن نستطيع أن نصنع من أنفسنا مُثلا رائعـة إذا أردنا، وسبيلنا إلى ذلك تجديد أفكارنا ومشاعرنا، كما تتجدّد الرّقعة من الصّحراء إذا انضاف إليها مقدار ضخم من المخصّبات والميـاه. إنّنا نتحوّل أشخاصا آخرين كما تتحوّل هذه الصّحراء القاحلة روضة غنّـاء".
ويسـرد الشيخ محمد الغزالي في كتابه "جدّد حياتكّ عن "ديل كارينجي" قصّة شاب نهكته العلّة فرحل يطلب الصحّـة، وكان أبوه يعلم طبيعة مرضه، وأنّ سقامه جاء من توعّك مزاجه، وغلبة أوهامه، فكتب إليه أبوه يقول لـه: إنّ الشّيء الوحيد الذي هو مصدر كلّ ما تعانيه هو نفسك، لا آفة بجسمك أو عقلك، فالذي تردّى بك هـو: العوج الذّهني الذي واجهت بـه تجاربك، وكما يفكّر المرء يكون، فمتى أدركت ذلك تكون قد شفيت". وقد صادف أن مرّ هذا الفتى عن كنيسة فدلف إليها يستمع إلى موعظة دينية تحت عنوان: "هذا الذي يقهر نفسه أعظـم من ذاك الذي يفتح مدينة". يقول الفتى معلّقا عن نفسه: "وكأنّما كان جلوسي واستماعي للموعظة، وإنصاتي للأفكار التي تضمّنهـا الخطاب، وكأنّهـا خطاب أبي يُقال بصيغة أخرى، فمسح الإضطراب الذي طغى على عقلي ووسعني في تلك اللحظة أن أفكّر تفكيرا متّزنا في حياتي، وهالني إذ ذاك أن أرى نفسي على حقيقتها.
نعم رأيتني أن أغيّر الدّنيا وما عليها، في حين أنّ الشيء الوحيد الذي كان في أشدّ الحاجة إلى التغيير هو: تفكيري واتّجاه ذهني، هو نفسي(1) ويعلّق الشيخ محمد الغزالي رحمه الله على هذه القصّة بقوله: "والإسلام كسائر رسالات السّماء، يعتمد في إصلاحه العام على تهذيب النّفس الإنسانية قبل كلّ شيء، فهو يصرف جهودا ضخمة للتّغلغل في أعماقها، وغرس تعاليمه في جوهرها. فلا ينبغي أن نذهب بعيدا، ونهدر جهودا من غير طائل." (2)
قــال الشّاعــر:
عليك بالنفس فاستكمل فضائلهـا  فأنت بالنفـس لا بالجسـم إنسان
وقــال آخــر:
وإذا كانت النّفوس كبارا  تعبت في مرادها الأجســـاد
فلنكتشف كنوزا عظيمة في أنفسنـا، وسنرى جوانب مشرقة وارفة ظلالها، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربّها. اسألْ نفسك كم كتابـا قرأتَ؟ وكمْ مجلّة تفحّصتَ خلال السّنوات الأخيرة أو خلال هذه
السّنـة أو هذا الشّهـر على الأقل في تخصّصك أو كثقافة عامّـة؟ كمْ لغة تُجيد؟ هل تتقن مهارة
الإعلام الآلي؟ّ.هل تتعاطى الأنترنت؟ كم جزءا من القرآن تحفظ؟ والحقيقـة تُقال أنّه مالم نُكثر من القراءة والمطالعة ومالم نستمتع بها فلا نُعدّ في عداد القارئيـن، فالعلم بحر عميق واسع شاسع وخاصّة في عصر الانفجار المعرفي المعلوماتـي الذي نعيشه اليوم فينبغي أن نغرف منه مااستطعنا، وإليك نموذج رائع لمثقّف مُدمن على القراءة لعلّك بمقولته هاته تعتبر !سأل أحدُ الصّحفيين أستاذا جامعيّا: ماذا تقرأ الآن؟ فأجابه: " قد لا تصدّق لو قلت لك أنّني أكون أتعس النّاس



(1)(2) ص 108- 109 جدد حياتك- محمد الغزالي
إذا كنتُ بعيـدا عن القراءة، بل الأكثر من ذلك أنّني وأنا بعيد عن القراءة أشعر أنّني أدخل عالـم اللاّشيء. فالقراءة بالنّسبة لي هي المنفى والملكوت وهي المسكن والمهرب في آن واحد"(1).
ولأمر ما خاطب الله رسوله الكريم في أوّل ماخاطبه به "إقرأ" وقد ثبت في الأثر: "أطلبوا العلم من المهد إلى اللّحد"، "اطلبوا العلم ولو في الصين."
متعـة العمـل وبـذل الجهـد
فالحياة دار عمل وابتـلاء، أمل وألم، فهل هناك طريق بلا منعرجـات؟ فكيف تكون حيـاة بدون ابتلاءات؟ ولو أنّ كلّ مؤمن نظر وتأمّل أحواله لردّد في نفسه مقولـة الرّجل الصّالـح: "...ولئن ابتلانا قليلا فقد عافانا كثيرا"، قال تعالى: "تبارك الذي بيده الملك وهو على كلّ شيء قدير، الذي خلـق الموت والحياة ليبلوكـم أيّكم أحسن عمـلا"(1-الملك ) وتلك لعمري سنّة الله في الخلق. وعليناأن نخوض غمارهـا بتفاؤل وإيجابية لبناء مستقبل زاهـر، فنحن لم نخلق لنعيش تعساء أشقيـاء. قال تعالى: "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى"(1-طه)، بل لنأخذ زينتنا ونسيح في الأرض ونمشي في مناكبها ونستمتع بكل طيّب من الرّزق، ونشيع ثقافة الحياة والأمل والحبّ والرّحمة والتّسامح، والتّنمية والبناء والإعمار، لا ثقافة وصناعة الموت والحقد والعداوات والهدم والتّكسير، ونمدّ جسورا للتّعاون والتّواصل والحوار. مع العلم أنّ الذي يجمعنا أكثر بكثير من الذي يفرّقنا، وأنّ الذي يسعدنا أكثر بكثير من الذي يشقينا.



(1) الدكتور عبد الله حمادي-أستاذ جامعي ورئيس اتحاد الكتاب الجزائريين سابقا
فكلّ شيء تفكّر فيه وتميل إليه وترغب فيه وتهتمّ به، وتركّز عليه وتوليه من العناية والاهتمام والجهد والوقت تُنتج فيه بل تبدع. إنّه مبدأ أو قانون في الحيـاة أشار إليه الدّين، وأكّـده العلم وأثبتته التّجربة. وقد ثبت في الحديث الشريف: "إنّ الله يحبّ أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه".
فإذا كانت لديك رغبة وسنحت لك الفرصة، وتوفّرت لديك القدرة اللاّزمـة تصبح المعادلة(رفق)
متكاملـة وقابلة للتّنفيذ فلا تتردّد. فإنّ الفرصة إذا لم تُستغلّ وتُستثمر تُصبح غصّـة. ركّزْ على الإيجاب على ما تستطيع تحقيقه، اجعلْ مُتعتك في عملك، فطاقة الحبّ تولّد الرّزق والنّجاح. تمتّعْ براحة البال والانسجام والصّحّة والهـدوء. تذكّرْ أنّ الثّروة الحقيقية تقبع في داخلك وكيانك، في عقلك وقلبك وروحك. ضلّ من يعتقد الرّزق في الأموال فقط، فالعافية رزق والعلم رزق، والنّجاح رزق والذريّة رزق وعافية أبدانهم وعقولهم رزق وصلاحهم رزق وهكذا .... قـال تعالـى: "ومابكم من نعمة فمن الله." (53-النّحل) وقال أيضا: "وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها."(34-ابراهيم). فالإنسان منغمس يتقلّب في نعم من الله وأفضال لا عدّ لها ولا حصر، بحيث حيثما يلتفت وكيفما يفكّر يجد نعمة سابغة.
قـال تعالـى: "ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض" (20-لقمان) فاشكرْ واهب النّعم يزدك، واتقنْ عملك يحبّك.
03 فقـــه النجــاح.
كيف تؤكـل الكتـف ؟ ومـن أيـن تؤتـى البيـوت ؟
واعلـمْ أنّ تحقيـق النّجاح والظّفـر بالسّعـادة، والوصول إلى راحة البـال والاطمئنان القلبي والنّفسي ممكن جدّا وليس بمستحيل، فقط عليك أن تعـرف من أين تُؤكل الكتف؟ وتُؤتى البيوت؟ فأنت اليوم حيث يوصلك تفكيـرك ومواقفك وأعمالك، وأنت غدا كذلك. فسِرْ مع أصحاب الهمـم العاليـة، ولا تزهد في طلب العلم والاستزادة منـه فإنه مفتـاح النّجاح فلا تضيّعه ولاتقصّر ولا تتهاون في تحصيله. قال ابن القيم رحمـه الله: "من قضى عصـر الشّباب في طلب العلـم وتحصيلـه، فإنّه في زمن الشّيخوخة يجني ثمر ما غرس ويلتذّ بتصنيف ما جمـع." وانظرْ إلى النّاجحين من حولك واحْذُ حذوهم. الفاشل يقـول: النّاجح محظوظ. لكن هذا الأخير صنع نجاحـه بيـده. فالنّجاح قد يأتي صدفة أووراثة وهو استثناء، لكن الأصل فيه أنّه يبنى لبنة لبنة حتى يبلـغ تمامـه. فالنّاجحون لا يؤمنون بالحظّ وبالكرامات والصّدفة، بل يشتغلون بالتخطيط وبذل الجهد والعرق. وقديما قالوا:" من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة." ولا بدّ من التدرّج والمرحلية، وعدم حرق المراحل، والاصطدام مع النّواميس الكونية والطبيعية فالعجلة من الشّيطان، وأهمّ من أن تتّجه بسرعة أن تتّجه الاتّجاه الصّحيح، فالتسرّع لا يأتي بخير، ولذلك ثبت في الحديث الشريف: " إنّ المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" وكلّ من خَبِرَ الحياة يعرف أن من يصعـد بسرعـة يسقط بسرعة.واصلْ طريقك واجتهدْ فإن أهمّ ما يميّز النّاجحين الاجتهاد. ولا تتراجع مهما كانت الصّعاب والعقبات التي تعترض طريقك، فإنّ الشّخص النّاجح هوالذي يمكنه أن يضع أساسـا ثابتا من الحجارة التي تُلقى عليه. فما أجمل الصّعود نحو القمّة! قـال أبوالطيب المتنبي :
إذا غامرتَ في شرف مروم  فلا تقنع بـما دون النّجــوم
لا للفهـم الأعـوج والفقـه الأعـرج.
الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهـوا. وقد دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- لابن عباس رضي الله عنه فقال: " اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل"
والفقـه لغـة: العلم بالشّيء، والفهم له. يُقال تفقّه الرّجل أي تعلّم الفقه وتعاطاه، أي العلم بالأحكام الشّرعية من أدلّتها التّفصيليـة، ومن معناه أيضا: الحذق والفطنة. والفقيه من كان شديد الفهم عالما ذكيّا. قال تعالى:"فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين ولينذروا قومهم"(166-التوبة)
وفي العلوم الشّرعية نجد فقه العبادات وفقه المعاملات وفي العلوم القانونية الفقه القانوني، وفي العلوم السّياسية الفقه السّياسي وفي علوم التربية الفقه التّربوي وهكذا...الخ) إذْ لا يخلو مجال من مجالات الحياة من علم خاصّ به. فالزخم العلمي والتّراكم المعرفي والتقدّم التّكنولوجـي قد بلغ مبلغا لم يكن يخطـر على قلب بشر. وكم نحن في حاجة ماسـّة إلى فقـه ديننا ودنيانا، فقها سليما على يد علماء عـدول ثقاة، مشهود لهم بالخيرية والصلاح، والوسطية والاعتدال، ومنهم على سبيل المثال لاالحصر في عصرنا هذا العلمـاء والدّكاترة أمثال الشيخ يوسف القرضاوي، ومحمد سعيد رمضان البوطي، الغزالي رحمه الله، عصام البشير، محمد راتب النابلسي، محمد الهادي الحسني، محمد حسّان، محمد سليم العوّا، طارق السويدان وغيرهم كثير، خاصّة ونحن في زمن قد اختلطت فيه المفاهيم والمصطلحات، وشـاع فيه الفهم الأعوج والفقه الأعرج، وانتشر فيه الغلوّ في الدين، والتطرّف في الفكـر والسلوك. وهو أمر ممجوج مرفوض في كل صوره وأشكاله وجوانبه ليس في الدّين وحـده، بل في كلّ مظهر من مظاهر الحياة.
وما تعيشه الأمّة اليوم من محن وفتن وبأس شديد بين أبناء الملّة الواحدة حيث وصل الأمر إلى حدّ التصفية الجسدية والاقتتـال، الذي طالما نهانـا عنه نبيّنا صلّى الله عليه وسلّـم: "لاترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض." الحديث متفق عليه. إذن بالإيمان العميق والفهم الدّقيق والعلم الصحيح والعمل المتقن المتواصل، بالاستمـاع لهؤلاء العلماء الأعلام وأمثالهم وهم كثر على الساحـة مـن الدّعاة والمثقفين ورجال الفكـر والأساتذة والإعلاميين المتنورين، وبأخذ العلم عنهم ونشر فكرهـم المعتدل نتفادى كل الانزلاقات والانحرافات، ونشقّ طريقا نحو البناء والتّعميـر والتّقدّم والازدهار. إنّه الفهم الصحيح للدّين وللحياة معا الذي يتوجب علينا أن نورّثه لأبنائنا وللأجيال الصاعدة.
النّجــاح فـي الحيـاة
ولنصنع النّجاح لابدّ من فقهه أوّلا، ومن وقفة تأملّ ثانيا، وبعد هذا وذاك تكون الانطلاقة الجـادّة الواعية المبصرة بإذن الله تعالى. وعليه دعوني أفصّل لكم هذه المفردة وهذا المفهوم والمصطلح الذي تردّده كل الشّفـاه ويرغب كلّ إنسان - بغضّ النّظر عن دينه وثقافتـه وجنسـه- ويسعى للوصول إليه والتّحقق به. قال أحد المتخصّصين في البرمجة اللغويـة العصبيـة: "إذا أردتَ أن تكون طبيبا فقمْ بدراسة الطبّ، وإذا أردتَ أن تكـون مهندسـا فقمْ بدراسـة الهندسة، وإذا أردتَ أن تكون ناجحا فقمْ بدراسة النّجاح."(1) ولكن أيّ نجاح؟ هل هـو النّجاح الدّراسي؟ أوالمهنـي؟ أم هوالحصول على الشّهادات والارتقاء في سلّم الدّرجات العلمية والأكاديمية؟
هـل النّجاح أن تبني بيتا وتكوّن أسرة وتكسب سيارة وتملك رصيدا ماليا ضخما ومشاريع منتشـرة هنـا وهناك؟ أعتقد أن النجاح هو هذا وأكثر وأعظم منه هـو: أن تفهم ذاتك من أنت؟ وأن تكون لك رؤيـة ودور ورسالة تؤديها بصدق وإخلاص وتتفانى في خدمتها.النّجاح أن تكون لحياتك قيمة ومعنى ودلالة، النّجاح أن تطوّر في مستواك المعرفي والفكري والثّقافي. أن تنجح على مستوى العلاقات، وعلى مستوى العطاء والإنجاز.

(1) قول في البرمجة اللغوية العصبية- ابراهيم الفقي
وأعظم نجاح على الإطلاق: أن تنجح مع الله عزّ وجلّ وهو رصيد أعزّ وأغلـى من كلّ الثّروات التي تملكها، ثبّتْْ هذه الإنجازات في داخلك وإلاّ فما قيمة أن تربح الدنيا بأكملها وتخسر الآخرة ؟ قـال تعالـى:" وللآخرة خير لك من الأولى" (4-الضحى).
فالكيّس يختار التي هي خيْر وأخْلدْ وأبقى ويؤثرها على الفانية الزّائلـة. قـال الصحابي الجليل علي ابن ابي طالب- كرّم الله وجهه- ورضي الله عنـه: "طوبى لعبد اتّقى فيها ربّه ونصح نفسه من قبل أن تلفظه الفانية الى الباقيـة فيصبح عظاما نخرة لا يستطيع أن يزيد في حسنـة، ولا أن ينقص من سيّئة، فيُحشر فيُنشر فإمّا الى جنّة يدوم نعيمها، أو الى نار لا ينفذ عذابها." فالغاية من إنزال الكتب وبعث الرسل وتشريع الشّرائع: إسعاد من يستجيب من البشر للدّين الحقّ في العاجل والآجل، أي النّجاح في الدّنيا والفلاح في الآخـرة.
والنّجاح المتوازن أمر محمود ومرغوب فيه شرعا وعقلا. فإن لنفسك عليك حقّا، ولربّك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقـا، ولأمّتك عليك حقا، فاعطِ كلّ ذي حقّ حقّـه دون إفراط أو تفريـط.
فالاتّزان، الاتّزان، والاعتدال، الاعتدال، وخير الأمور أوسطها.
النّجاح بدايتــه فكــرة
النّجاح الذي نحصل عليه ينطلق من خلال فكرة نصنعها نحن، ونمضي في تحقيقهاعلى أرض الواقـع. قلْ فكرتكَ بعد أن ُتعْملهـا في ذهنك، تحدّثْ بها ثم اكتبها، ثم خطّطْ لتنفيذها ثمّ انطلقْ بعزيمة ستحقّق ذاتك، ستصل إلى ما تريـد، ستكون كما تريد. اعلـمْ أن بلوغ الغايـات السّاميـة وتحقيق المقاصد النبيلة لا يتأتّى إلاّ ببذل الجهد والتّشمير على ساعد الجـدّ والصّبر على تحمّل مشـاقّ الطّريق. ألا إنّ سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنـّة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الجزء الثاني من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجزء الأول من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين - سدراته.
» الجزء الثالث من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين- سدراته.
» الجزء الخامس من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين -سدراته.
» الجزء السادس من كتاب: " صناعة الذات " عماري جمال الدين -سدراته.
» الجزء الرابع من كتاب: صناعة ااذات " عماري جمال الدين-سدراته.

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الدعوة و التغيير- قسنطينة :: الفكر و التربية :: مكتبة الدعوة و التغيير-
انتقل الى: