بســــم الله الرحمـــــــان الرحيـــــــــم.
دعاء قلبك في .....(4) / وثيابك فطهر /
أحمدك ربي حمدا كثيرا طيبا يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير من اصطفى من عباده واجتبى، والآل والأصحاب ومن بهم اقتدى، اللهم ألهمنا مرا شدنا، وقنا شرور أنفسنا، وبصرنا ياربي بعيوبنا وأمراضنا وعللنا، ووفقنا لإصلاحها، وطهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. اللهم لا تكلنا لأنفسنا أو لأحد من خلقك طرفة عين أو أقل من ذلك، وأصلح لنا شؤوننا كلها، لا إلاه إلا أنت. ربنا إن لم تغفر لنا وترحمنا لكوننا من الخاسرين. اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك، آمين آمين. وبعد:
فإن خلاصة حديثنا في الومضة السابقة حول قيمة ومكانة الإنسان في التنمية البشرية، وفي التصور الإسلامي انطلاقا من موروثنا الثقافي الحضاري الأصيل. وأنه لا معنى ولا قيمة ولا اعتبار للإنسان بغير هداية واستقامة وصلاح. قال تعالى: "ومن أعرض عن ذكري، فإن له معيشة ضنكي ونحشره يوم القيامة أعمى، قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها، وكذلك اليوم تنسى. " ولأمر ما مدح الله عز وجل رسوله الكريم فقال:" وإنك لعلى خلق عظيم " فتأمل جيدا، لم يمدح فيه عليه صلوات الله وسلامه كثرة عبادته، وهو الذي كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه الشريفتان، ولا علمه وهو المدعم المزكى بالوحي ، ولا طهر نسبه وشرف حسبه وهو من هو خيار من خيار. بل مدح فيه أخلاقه وصلاحه . وقال صلى الله عليه وسلم: " أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا." فكلما كان الخلق حسنا كلما كانت الشخصية سوية وصالحة. وحسبنا في هذا المقام أن جل آيات القرآن الكريم، وأحاديث خير الأنام تتحدث عن صلاح الإنسان وقلبه، وفؤاده وروحه ونفسه. وأن صلاح الحياة بصلاح الإنسان، وصلاح الإنسان بصلاح قلبه. وأن هذا الأخير أنفس ما يملك الإنسان في هذا الوجود.
ولا غرابة أننا حوله ندندن، وقد أكدنا فيما سلف أن المشكلة مشكلة قلوب بدرجة أولى، وبعبارة أوضح الأزمة روحية فكرية خلقية، قبل أن تكون مادية اقتصادية اجتماعية.
يقول الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار: " تجد اهتمام واضعي الخطط منصب على نحو شبه كلي على التنمية الاقتصادية، ويتم غض الطرف عن التنمية الإيمانية والروحية والخلقية والعقلية، وكأن حاجات الإنسان المسلم مقتصرة على الغذاء والدواء والمسكن والملبس، إنهم بذلك يجعلون حاجاته قريبة من حاجات الحيوان، وكأنه لا مشكلة عندهم في أن يكون الإنسان مستقيما أو منحرفا." انتهى كلام الدكتور.
أليس من المسلم به، أن الانسان قبضة من طين ونفخة من روح؟ أنلبي كل مطالب الجسد، ولا نلقي بالا لمطالب الروح؟ فنميل مع الصورة ونترك الجوهر ونهمل الأساس. وبعد ذلك نتجرع الويلات ونجني المآسي ونكثر اللوم والشكاوي، ونندم حيث لا ينفع الندم.
إن المنهج الإسلامي الأصيل، وبالأحرى التربية الإسلامية العميقة تتفاعل مع النفس البشرية ككيان مادي وروحي، فهي تخاطب العقل والقلب معا، كما تعتني بالجسم والبدن أيضا. فهي تنمي الفكر، وتهذب الوجدان، وتعدل السلوك. بالترغيب تارة وبالترهيب طورا، وقد أثر عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولهم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرغنا ثم يملأنا. يفرغنا من عقائد ورذائل ورواسب الجاهلية، ويملأنا بقيم وتعاليم وأخلاق الإسلام. أي تخليه وتحليه، وقد لخص هذا المنهج التربوي الأصيل العالم العارف بالله أبو حامد الغزالي في كتابه: " إحياء علوم الدين " تحت عنوان " المهلكات والمنجيات " ومثله فعل أحد علماء هذا العصر الشيخ سعيد حوى- رحمة الله عليه- في كتابه " المستخلص في تزكية الأنفس " واختزله في ثلاث مرتكزات هي: " تطهر، تحقق، تخلق." وقد كتب وألف في هذا الموضوع علماء كثر قديما وحديثا.
فدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم دعوة عظيمة، غيرت قلب الإنسان وعقله ومظهره، غيرت الفرد وغيرت المجتمع والأمة. وحتى يبنى الفرد بناءا صحيحا عميقا ومتوازنا ليكون ذا أثر نافع في الناس، لابد من تربية إيمانية روحية أخلاقية فكرية متينة، البدء فيها يكون بإبلاء البعد الروحي حقه، فالإسلام دعا إلى إصلاح الباطن، أي القلب، واعتبر هذا سببا للنجاة، حتى قال سيدنا إبراهيم عليه السلام: " ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم." فلا ينجو أحد يوم القيامة إلا أصحاب القلوب السليمة. فما السبيل إلى القلب السليم ياترى؟ وبعبارة أخرى كيف نتطهر؟ أو كيف نطهر قلوبنا، ونزكي أنفسنا كي ندخل حضرة الله وننال رضاه ونصبح من المقبولين عنده سبحانه ؟ هذا ما سنعرفه في الومضة القادمة إن شاء الله تعالى مع: عماري جمال الدين، ودواء قلبك في .....