بسم الله الرحمان الرحيم
دواء قلبك في ..... " أن تتطهر" (6)
عماري جمال الدين – سدرا ته.
* وصلى وسلم على نبيه الكريم، وآله وصحبه أجمعين . ذكرنا في الومضات السابقة بعض المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان، منها: صلاح الحياة بصلاح الإنسان، وصلاح الإنسان بصلاح قلبه. والصلاح قبل الإصلاح ،والفرد قبل الجماعة.وأنه من الخطأ الجسيم أن ينظم الإنسان الحياة من حوله، ويترك الفوضى في قلبه. وأن على كل كيس فطن أن يتقن ولوج عالم النفس، قبل ولوج العوالم الأخرى. وأن أولى الناس بالتغيير هو أنت، أي نفسك التي بين جنبيك، وإلا فمن الأحق بالرعاية والعناية، وتفقده من حين لآخر للاطمئنان على حاله؟ وهل هناك أغلى وأعز على الإنسان من قلبه الذي في صدره، ونفسه التي بين جنبيه؟ قال تعالى: " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، وألقى السمع وهوشهيد." وقال تعالى أيضا: " ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها ." وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: " ...ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ..." الحديث. قال حسن البنا – رحمه الله- ".. وإذا لامست معرفة الله قلب الإنسان تحول، أي تغير، وإذا تغير الفرد تغيرت الأسرة، وإذا تغيرت الأسرة تغيرت الأمة، وما الأمة إلا مجموعة أفراد وأسر." فالقلوب آنية الله في أرضه، وأحبها إليه، أرقها وأصلبها، وأصفاها. وكما لا تصح الصلاة التي هي وظيفة الجوارح الظاهرة إلا بتطهبر الظاهر من الأحداث والأخباث، فكذلك لا تصح عبادة الباطن وعمارة القلب بالعلم إلا بعد طهارته من خبائث الأخلاق ومذموم الأوصاف. فابدأ الآن ولا تنتظر، واشتغل بتنقية فؤادك، وتب واستغفر، وعد إلى الله خاشعا منكسرا ذليلا متبتلا على أعتابه، معترفا بعجزك وضعفك، واسأله المغفرة والرحمة والهداية، والسداد والتوفيق، والثبات على دينه.والق نظرة إلى الوراء، وتأمل ما مضى من عمرك. وقم بمراجعة نفسك، وتحرى عيوبك، وابحث عن نقائصك وسلبياتك، فإنها لا عد لها ولا حصر صدقني أخي الكريم. كما أن رحمة الله لا تتصور. وابحث عن قلبك عند الصلاة وعند تلاوة القرآن وأثناء الدعاء، وفي علاقاتك مع الخلق. وتأمل حاله، حياته من موته، صحته من سقمه، إبصاره من عماه والعياذ بالله. وجدد النية، اجتنب ما نهى الله عنه، أد ما افترضه عليك، تأدب بآداب الإسلام، وتزين بأخلاق خير الأنام. واقبل على مولاك بالذكر والطاعات والقربات.فإنه رحمان رحيم يقبلك ويقبلنا في كل حين. واسع جاهدا لتزكية نفسك، وتطهير قلبك، وتهذيب أخلاقك. فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل. فالبدار البدار. فوعده لعباده المؤمنين لا يتخلف، قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا..."
* إنني أريد تأكيد بديهية أخرى وهي أولوية عمل القلب على عمل الجوارح، وأن صلاح الظاهر أثر عن صلاح الباطن، بناء على الأصل الكبير: " إنما الأعمال بالنيات..." لقد تأكد عمليا أنه لابد في هذا المجال من قدر من التربية الصوفية السليمة لمعالجة أمراض القلوب، وسد مداخل الشيطان بإخلاص النية لله تبارك وتعالى، ودوام مراقبته والتوكل عليه، ومحاسبة النفس. ومن أحسن الأدعية عند حلول السنة الهجرية " اللهم أنت الأبدي القديم وهذه سنة جديدة، أسألك فيها العصمة من الشيطان وأوليائه، والعون على هذه النفس الأمارة بالسوء، والاشتغال بما يقربني إليك يا كريم."
* وقد ذكر الإمام البنا – رحمة الله عليه - في رسالة المؤتمر الخامس أن من خصائص دعوته أنها " حقيقة صوفية ". فعصرنا عصر الشهوات والملذات، وطغيان الماديات، فلابد مما يكافئه ويقابله، قال الشيخ السعيد حوى في كتابه تربيتنا الروحية: " لقد جربت كثيرا ورأيت كثيرا، ونادرا ماوجدت كمالا في النفس أو إحسانا في السلوك، أو قدرة على التعامل إلا إذا وجدت تربية إسلامية صوفية صافية، وذلك لأن مفاتيح النفس البشرية إنما هي في هذه التربية وأصولها وقواعدها. لأن الصوفية هم الذين ورثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تربية النفس وتزكيتها، وتخصصوا لذلك وتفرغوا له، وفطنوا لمل لم يفطن له غيرهم، وقامت لهم فيه أسواق من التجارب الثرة في كل عصر، فما لم يأخذ الإنسان عنهم تبقى نفسه بعيدة عن الحال النبوية. " يقول قائل هذه دعوة صريحة للتصوف وللانعزالية وربما للجمود وللسلبية. وأقول لا، لأن الفهم الشمولي للإسلام يأبى ذلك ويرفضه. وإنها لجريمة قتل أن ننتمي لهذا الدين ثم لا نحسن فهمه. قال الشيخ محمد الغزالي في كتابه الجانب العاطفي في الإسلام: " من تجارب المربين في تراثنا الثقافي القديم دراسات جيدة للنفس الإنسانية، وكيف تخلص من أدوائها، وكيف تمضي في طريقها إلى الله منقاة مشرقة."
* لذا ينبغي تحديد ساحة المعركة، فهي تبدأ على مستوى النفس أولا بالانتصار عليها، والتحكم فيها بمغالبتها ومجاهدتها، فمن انتصر على نفسه كان على غيره أقدر. وأيما تقصير أو تهاون في هذا الاتجاه قد تنجر عنه عواقب وخيمة لا تحمد عقباها. وإلا كيف نفسر ظاهرة " المتساقطون على الطريق مثلا "؟ ولهذا كانت الأولوية لكل جهد تربوي يبذل لتكوين الإنسان المسلم. والبدأ ببناء شخصيته بغرس الإيمان الصحيح في قلبه بما يصحح نظرته للأكوان ولخالقها، ونظرته لنفسه ولرسالته في الحياة. هذه التربية التي شغلت الجزء الأكبر من حياة النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه، فجهاد العدو ليس إلا ثمرة لجهاد النفس والشيطان، ولذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: " رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر. " إن التغيير الفكري والنفسي والخلقي أساس كل تغيير. قال تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم."
* إن المتتبع لحركة الأفراد، في تصوراتهم، وفي علاقاتهم ومواقفهم وسلوكا تهم، يلحظ أن القلوب قد قست، وأمراضها من حسد وعجب وغيرهما أصبحت فاشية. وحسن التعامل ضعف، وأصبح الناس يفتقدون في سلوكهم إلى تلكم المعاني الإيمانية الجميلة، من صبر وشكر، وخوف من الله عز وجل، ولاحول ولا قوة إلا بالله. إنك عندما تقرأ الكتاب والسنة تجد كلاما كثيرا عن القلب والإيمان وأمراض القلوب ودواؤها، وتجد كلاما عن صمم القلب وعماه، وعن سلامته وسقمه، وعن تقواه وفسوقه، وعن زكاة النفس البشرية وعن فجورها، وعن فلاحها وتد سيتها.